الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } * { وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } * { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } * { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } * { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } * { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً }

ثم قال عز وجل: { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } يعني: مطيعاً لله عز وجل { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ } وذلك حين أبطأ عليه الوحي وعند سؤال أهل مكة عن ذي القرنين وأصحاب الكهف وأمر الروح عاتب المصطفى جبريل فقال الله تعالى (قل يا جبريل لمحمد) ومعناه: قل { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ } { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا } من أمر الآخرة { وَمَا خَلْفَنَا } من أمر الدنيا { وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ } أي ما بين النفختين { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } يعني: لم يكن ينساك ربك حيث لم يوح إليك ويقال ما بين أيدينا من أمر الآخرة والثواب والعقاب وما خلفنا جميع ما مضى من أمر الدنيا وما بين ذلك ما يكون في هذا الوقت منا { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } أي قد علم الله عز وجل ما كان وما يكون وما هو كائن حافظ لذلك ويقال ما نسيك ربك وإن تأخر عنك الوحي وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل: " ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا " فنزلت هذه الآية ثم قال { رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي: خالق السموات وخالق الأرض { وَمَا بَيْنَهُمَا } من الخلق ويقال رب السموات والأرض أي مالكهما وعالم بهما وما فيهما { فَٱعْبُدْهُ } أي: أطعه { وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } يعني: أحبس نفسك على عبادته { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } يعني: هل تعلم أحداً يسمى الله سوى الله وهل تعلم أحداً يسمى الرحمن سواه ويقال هل تعلم أحداً يستحق أن يقال له خالق وقادر وعالم بما كان وبما يكون { وَيَقُولُ ٱلإِنسَـٰنُ } يعني: أبي بن خلف { أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } للبعث على معنى الاستفهام، قال الله عز وجل { أَوَ لاَ يَذْكُرُ إلإِنسَـٰنُ } يعني أولا يتعظ ويعتبر { أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } قرأ: نافع وعاصم وابن عامر أولا يذْكر بجزم الذال مع التخفيف يعني أولا يعلم والباقون أولا يَذَّكرّ بنصب الذال والتشديد ثم قال { فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ } أقسم الرب بنفسه ليبعثنهم وليجمعنهم يعني الذين أنكروا البعث { وَٱلشَّيَـٰطِينَ } يعني الشياطين { ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ } يعني: لنجمعنهم { حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } يعني: جميعاً قال أهل اللغة الجثيُّ جمع جَاثِي مثل بارِك وبرك وساجد وسجد وقاعد وقعد أي على ركبهم ولا يقدرون على القيام قال الزجاج الأصل في الجسم وجاز كسرها إتباعاً لكسر التاء وهو نصب على الحال { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ } يعني لنخرجن من كل شيعة من أهل كل دين { أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } يعني جرأة على الله عز وجل وهم القادة في الكفر وساداتهم نبدأ بهم فنعذبهم في النار وروي عن سفيان عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص في قوله أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً قال يبدأ بالأكابر فالأكابر جرماً قوله عز وجل: { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } أي: أحق بالنار دخولاً.