الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } * { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } * { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } * { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً } * { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً }

ثم قال: { مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي: ما استعنت بهم على خلق السموات والأرض يعني إبليس وذريته { وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ } أي: ولا استعنت بهم على خلق { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلّينَ } أي ما كنت أتخذ الذين يضلون الناس عرفاً يعني: الشياطين { عَضُداً وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَائِىَ } أي: لعباد الأوثان وهو يوم القيامة نادوا شركائي أي: ادعوا آلهتكم { ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ } في الدنيا أنهم لي شركاء ليمنعوكم مني من عذابي { فَدَعَوْهُمْ } يعني الآلهة { فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } أي: لم يجيبوهم { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } قال مجاهد: وادٍ في جهنم وهكذا قال مقاتل وقال القتبي: أي: مهلكاً بينهم وبين آلهتهم في جهنم ومنه يقال أَوبقته ذنوبه ويقال موعداً وقال الزجاج: وجعلنا بينهم من العذاب ما يوبقهم أي وجعلنا بينهم وبين شركائهم الذين أضلوهم موبقاً أي مهلكاً. قرأ حمزة ويوم (نَقُولُ) بالنون وقرأ الباقون بالياء { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ } أي: رآها المشركون من مكان بعيد { فَظَنُّواْ } أي: علموا واستيقنوا { أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } أي: داخلوها { وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفًا } أي: معدلاً ولا ملجأً ولا مفراً يرجعون إليه { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا } أي: بينا { فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } أي: من كل وجه ونوع ليتعظوا فلم يتعظوا ويقال: بينا من كل وجه يحتاجون إليه { وَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ أَكْثَرَ شَىء جَدَلاً } من أمر الباطل يعني من أمر البعث مثل أبي بن خلف وأصحابه قال الفقيه: حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا يحيى بن محمد الصاعد قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري قال: حدثنا محمد بن بشر قال للحجاج بن دينار: قال عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل " والدليل على أن الإنسان أراد به الكافر ما قال في سياق الآية { وَيُجَـٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَـٰطِلِ... } الآية ثم قال: { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ } يقول: لم يمنع المشركون أن يصدقوا { إِذْ جَاءهُمُ ٱلْهُدَىٰ } يعني: الرسول والكتاب والدلائل والحجج قوله: { وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ } أي: وما منعهم من الاستغفار والرجوع عن شركهم { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } أي: عذاب الأمم الخالية { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً } أي: عياناً بالسيف قرأ عاصم وحمزة والكسائي (قُبُلاً) بضم القاف والباء وقرأ الباقون بكسر القاف ونصب الباء فمن قرأ بالضم فهو بمعنى فعل من قبل أي مما يقابلهم ويجوز أن يكون جمع قبيل هو أن يأتيهم العذاب أنواعاً ومن قرأ بالكسر معناه: عياناً { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشّرِينَ } أي: للمؤمنين بالجنة { وَمُنذِرِينَ } أي: للكافرين بالنار { وَيُجَـٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَـٰطِلِ } أي: يخاصموا بالباطل { لِيُدْحِضُواْ بِهِ } أي: ليزيلوا ويذهبوا به { ٱلْحَقَّ } ومنه يقال: (حُجَّةٌ دَاحِضَةٌ إذا زالت عن الحجة وقال مقاتل: ليدحضوا به أي: ليبطلوا به الحق يعني القرآن والإسلام يعني يريدون أن يفعلوا إن قدروا عليه { وَٱتَّخَذُواْ ءايَـٰتِى } يعني: القرآن { وَمَا أُنْذِرُواْ } أي: وما خوفوا به { هُزُواً } أي: سخرية.