الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ٱلأَرَآئِكِ نِعْمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً }

ثم قال تعالى: { وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ } أي: القرآن يعني الذي أعطاكم به الحق من ربكم وهو قول (لا إله إلا الله يعني: ادعهم إلى الحق) { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } أي: من شاء فليقل لا إِله إِلا الله ويقال: معناه: من شاء الله له الإيمان آمن ومن شاء الله له الكفر كفر ويقال فمن شاء فليؤمن من لفظه لفظ المشيئة والمراد به الأمر يعني: آمنوا ومن شاء فليكفر لفظه لفظ المشيئة والمراد به الخبر ومعناه: ومن كفر { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا } يعني: للكافرين { أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } يعني: أن دخانها محيط بالكافرين قال الكلبي، ومقاتل: يخرج عنق من النار فيحيط بهم كالحظيرة { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ } من العطش { يُغَاثُواْ بِمَاء كَٱلْمُهْلِ } أي: أسودَ غليظاً كرديء الزيت وهذا قول الكلبي والسدي وابن جبير وروى عكرمة عن ابن عباس مثله ويقال: هو الصفر المذاب أو النحاس المذاب إذ بلغ غايته في الحر وروى الضحاك عن ابن مسعود: أنه أذاب فضة من بيت المال ثم بعث إلى أهل المسجد وقال من أحب أن ينظر إلى المهل فلينظر إلى هذا وقال مجاهد: المهل القيح والدم الأسود كعكر الزيت { يَشْوِى ٱلْوجُوهَ } يعني: إذا هوى به إلى فيه أنضج وجهه { بِئْسَ ٱلشَّرَابُ } المهل { وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا } يقول: بئس المنزل النار رفقاؤهم فيها الشياطين والكفار { وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا } أي: مجلساً وأصل الارتفاق الاتكاء على المرفق { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } أي: لا نبطل ثواب من أحسن عملاً في الآخرة ثم بين ثوابهم فقال: { أُوْلَـئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } العدن الإقامة ويقال: العدن بطنان الجنة وهي وسطها { تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَـٰرُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } السندس: ما لطف من الديباج والاسبرق ما ثخن من الديباج وقال القتبي: يقول قوم: هو فارس معرب أصله إستبرك وقال الزجاج في قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ }: يجوز أن يكون خبره { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } كأنه يقول: إِنا لا نضيع أجرهم ويحتمل أن يكون الجواب قوله: { أُوْلَـئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } ويجوز أن يكون جوابه لم يذكر وقد بين ثواب من أحسن عملاً في موضع آخر وهو قوله { مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } وقوله: { أَسَاوِرَ } جمع أسورة واحدها سوار والأسورة جمع الجمع { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } أي: على السرر في الحجال ولا يكون أريكة إلا إذا اجتمعا على والحجلة { نِعْمَ ٱلثَّوَابُ } الجنة { وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } أي: منزلاً في الجنة قُرناؤهم الأنبياء والصالحون.