الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } * { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } * { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً } * { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً }

{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ } لأن عيونهم مفتحة ويقال: من كثرة تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال { وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشّمَالِ } وذلك أن جبريل عليه السلام كان يقلبهم في كل سنة مرة لكيلا تأكل الأرض لحومهم وهو قول ابن عباس وقال مجاهد: مكثوا ثلاثمائة عام على شق واحد وقلبوا في التسع سنين { وَكَلْبُهُمْ بَـٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ } أي: مَاداً ذراعيه بفناء الباب { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا } أي: لو هجمت عليهم اليوم لأدبرت فراراً من هيئتهم وروى سعيد بن جابر عن ابن عباس أنه قال: غزا معاوية غزوة نحو الروم فمروا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف لو كشفنا عن هؤلاء فنظرنا إِليهم فقال ابن عباس قد منع الله ذلك عمن هو خير منك يعني: قال للنبي - صلى الله عليه وسلم: { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا } { وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا } فقال معاوية لا أنتهي حتى أعلم علمهم فبعث ناساً فقال: اذهبوا فادخلوا الكهف فلما ذهبوا ودخلوا بعث الله تعالى ريحاً فأخرجتهم ثم قال تعالى: { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَـٰهُمْ } أي: أيقظناهم من نومهم جياعاً كما رقدوا { لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ } أي: ليتحدثوا بينهم { قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ } أي: كم مكثتم في نومكم { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا } فلما رأوا الشمس قد زالت قالوا: { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ } وروى مجاهد عن ابن عباس قال: كانت دراهم أصحاب الكهف مثل أخفاف الإبل قرأ ابن كثير ونافع (؛ وَلَمُلِّئْتَ) بتشديد اللام وهي لغة لبعض العرب وقرأ الباقون بالتخفيف وهما لغتان وقرأ أبو عمرو وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر بورقكم بجزم الراء وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان { فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا } أي: أطيب خبزاً أو أحل ذبيحة وهذا قول ابن عباس ويقال: أي أهلها أزكى طعاماً وقال عكرمة أي: أكثر وأرخص طعاماً { فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مّنْهُ } أي: بطعام مِنْهُ وَيُقَالُ: أَزْكَى طعاماً أي: لم يكن غصباً ولا من جهة لا تحل { وَلْيَتَلَطَّفْ } أي: وليرفق في الشراء { وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا } أي: لا يُعلمن بمكانكم أحداً من الناس { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ } يعني: إن يطلعوا عليكم { يَرْجُمُوكُمْ } أي: يقتلوكم { أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا } أي: لن تفوزوا ولن تسعدوا إذاً أبداً إن عبدتم غير الله تعالى { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } يقول: أطلعنا الملك عليهم قال القتبي: وأصله في اللغة أَن من عثر بشيء نظر إِليه حتى يعرفه فاستعير العثار مكان التبين والظهور { لِيَعْلَمُواْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } يعني: البعث بعد الموت وذلك أن القوم كانوا مختلفين منهم من كان مقراً بالبعث ومنهم من كان جاحداً فلما ظهر حالهم عرفوا أن البعث حق وأنه كائن { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَـٰزَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ } يعني: إذ يختلفون فيما بينهم وقال بعضهم: اختلفوا فيما بينهم هو ما ذكر بعد هذا في عددهم وقال بعضهم: اختلفوا فقال المؤمنون فيما بينهم نبني مسجداً وقالت النصارى نبني كنيسة فغلب عليهم المسلمون وبنوا المسجد فذلك قوله تعالى: { فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَـٰنًا } أي: مسجداً { رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ } أي: عالم بهم { قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ } يعني: الذين كانوا على دين أصحاب الكهف وهم المؤمنون { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا } قال الزجاج: فيه دليل أنه ظهر أمرهم وغلب الذين أقروا بالبعث على غيرهم لأنهم اتخذوا مسجداً والمسجد يكون للمسلمين.