الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } * { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }

{ قَالَ أَرَءيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ } في الآية مضمر، معناه: فلعنه الله تعالى، قال إبليس: أرأيتك هذا الذي لعنتني لأجله وفضلته عليَّ { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } يعني: لئن أجلتني إلى يوم البعث. قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع " أَخَّرْتَنِي " بالياء عند الوصل. وقرأ الباقون بغير ياء. لأن الكسرة تقوم مقامه. ثم قال: { لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ } أي: لأستزلن ذريته، يقول اطلب زلتهم. وقال القتبي: لاستأصلنهم. يقال احتنك الجراد ما على الأرض إذا أكله كله، ويقال: هو من حنك الدابة يحنكها حنكاً. إذا شد في حنكها الأسفل حبلاً يقودها به. أي لأقودنهم حيث شئت { إِلاَّ قَلِيلاً } يعني: الأنبياء والمخلصين لله ويقال: إِلاَّ من عصمته مني { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ } أي: من أطاعك { مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ } يعني: نصيبكم من العذاب في النار { جَزَاءً مَّوفُورًا } أي: نصيباً وافراً. لا يفتر عنهم. قوله: { وَٱسْتَفْزِزْ } يقول: استزل { مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } يقول: بدعائك ووسوستك ويقال: بأصوات الغناء والمزامير { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } يعني: استعن عليهم بأعوانك من مردة الشياطين (وَرَجِلِكَ) يعني: الشياطين الذين يوسوسون للناس، ويقال: خيل المشركين ورجالتهم، وكل خيل تسعى في معصية الله تعالى فهي من خيل إبليس وكل راجل يمشي في معصية الله فهو من رجالته. قرأ عاصم في رواية حفص " وَرَجِلَكَ " بفتح الراء وكسر الجيم يعني: راجلك فدل الواحد على الجنس. وقرأ الباقون بجزم الجيم، وهو جمع الراجل { وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلأَمْوٰلِ } أي: ما أكل من الأموال بغير طاعة الله تعالى وما جمع من الحرام، ويقال: وشاركهم في الأموال وهو ما جعلوا من الحرث والأنعام نصيباً لآلهتهم، ويقال: كل طعام لم يذكر اسم الله عليه فللشيطان فيه شركة. قال الفقيه رضي الله عنه. حدثنا الفقيه أبو جعفر قال: حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا سفيان بن يحيى قال: حدثنا أبو مطيع عن الربيع بن زيد عن أبي محمد وهو رجل من أصحاب أنس قال: قال إبليس لربه: يا رب جعلت لبني آدم بيوتاً فما بيتي؟ قال الحمام، قال وجعلت لهم مجالس فما مجلسي؟ قال السوق، قال وجعلت لهم قرآناً فما قرآني؟ قال الشعر، قال وجعلت لهم حديثاً فما حديثي: قال: الكذب، قال: وجعلت لهم أذانا فما أذاني؟ قال المزمار، قال وجعلت لهم رسلاً فما رسلي؟ قال: الكهنة، قال: وجعلت لهم كتاباً فما كتابي؟ قال: الوشم، قال: وجعلت لهم طعاماً فما طعامي؟ قال: كل ما لم يذكر عليه اسم الله. قال: وجعلت لهم شراباً فما شرابي؟ قال: كل مسكر، قال: وجعلت لهم مصايد فما مصايدي؟ قال: النساء. ثم قال: { وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلأَمْوٰلِ } يعني: كل نفقة في معصية الله تعالى { وَٱلأَوْلْـٰدِ } أي: أولاد الزنا فهذا قول مجاهد وسعيد بن جبير ويقال: هو ما سموا أولادهم عبد العزى وعبد الحارث، ويقال: كل معصية بسبب الولد. ويقال إذا جامع الرجل أهله ولم يذكر اسم الله تعالى جامع معه الشيطان: ويقال: المرأة النائحة والسكرانة يجامعها الشيطان فيكون له شركة في الولد. قال الفقيه أبو الليث: هذا الكلام مجاز لا على وجه الحقيقة إنما يراد به المثل ثم قال: { وَعِدْهُمْ } أي: مَنِّهم أنه لا جنة ولا نار ولا بعث { وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُوراً } أي: باطلاً.