الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } * { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } * { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }

{ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } يقول: أعطيناكم الدولة. ويقال: الرجعة عليهم قوله: { وَأَمْدَدْنَـٰكُم بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَـٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا } يعني: أكثر رجالاً وعدداً. وقال القتبي: أصله من نفر ينفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته، والنفير والنافر مثل القدير والقادر. قوله: { إِنْ أَحْسَنتُمْ } يقول: إن وحدتم الله وأطعتموه { أَحْسَنتُمْ لأِنفُسِكُمْ } أي: يثاب لكم الجنة { وَإِنْ أَسَأْتُمْ } أي: أشركتم بالله { فَلَهَا } ، ويقال: في الآية مضمر ومعناه. وإن أسأتم فلها رب يغفر لها { فَإِذَا جَاء وَعْدُ ٱلأَخِرَةِ } أي: آخر الفسادين { لِيَسُوءواْ وُجُوهَكُمْ } أخذ من السوء أي: بعثناهم إليكم ليقبحوا وجوهكم بالقتل والسبي. قرأ حمزة وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: " لِيَسُوءَ " بالياء وفتح الهمزة يعني: الوعد، ويقال: يعني: الملك سلط عليهم. وقرأ الكسائي " لَنَسُوءَ " بالنون ونصب الواو فيكون الفعل لله تعالى. وقرأ الباقون " لَيَسؤُوا " بالياء وضم الهمزة بلفظ الجماعة يعني: إن القوم يفعلون ذلك { وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ } يعني: بيت المقدس { وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا } يقول: وليخربوا ما ظهروا عليه تخريباً. وقال الكلبي: أي ليدمروا وليخربوا ما علوا. أي: ما ظهروا عليه تتبيراً أي: إهلاكاً. وقال الزجاج: يقال لكل شيء متكسر من الحديد والذهب والفضة والزجاج تبر، ومعنى ما علوا أي: وليدمروا في حال علوهم. قوله: { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ } بعد هذين الموتين. فرحمهم وعادوا إلى ما كانوا عليه وبعث فيهم الأنبياء وكانوا رحمة لهم { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } أي: إن عدتم إلى المعصية عدنا إليكم بالعذاب، ويقال: إن عدتم إلى تكذيب محمد - صلى الله عليه وسلم - كما كذبتم سائر الأنبياء عدنا. يعني: سلطناه عليكم فيعاقبكم بالقتل والجزية في الدنيا { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـٰفِرِينَ حَصِيرًا } أي: سجناً ومحبساً، قال الحسن: أي سجناً وقال قتادة أي: وحبساً يحبسون فيها وقال مقاتل: أي محبساً يحبسون فيها ولا يخرجون أبداً كقوله: { لِلْفُقَرَاء ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ } ويقال: هذا فعيل بمعنى فاعل. وقال الزجاج: حصيراً أَي: حبيساً، أخذ من قوله: حصرت الرجل إِذا حبسته وهو محصور. والحصير المنسوج. وإنما سمي حصيراً لأنه حصرت طاقاته بعضها فوق بعض.