الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً } * { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَٰرِهِمْ نُفُوراً } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً }

{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءانَ } يعني: أخذت في قراءة القرآن { جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا } قال بعضهم: الحجاب المستور هو أن يمنعهم عن الوصول إليه. كما " روي أن امرأة أبي لهب جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان عنده أبو بكر فدخلت فقالت لأبي بكر هجاني صاحبك، قال أبو بكر: والله هو ما ينطق بالشعر ولا يقوله فرجعت. فقال أبو بكر: أما رأتك يا رسول الله؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لم يزل بيني وبينها ملك يسترني عنها حتى رجعت " وقال قتادة: الحجاب المستور هو الأكنة وقال مقاتل: الحجاب هو قوله: { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } يعني: جعلنا أعمالهم على قلوبهم أغطية حتى لا يرغبوا في الحق، ويقال: جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة يعني: الجن والشياطين حجاباً مستوراً فلا يصلون إليك. وقال الكلبي: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تلى القرآن ستره الله وحجبه عن المشركين بثلاث آيات. إذا قرأهن حجب عنهم. إحداهن في سورة الكهفإِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } [الكهف: 57] والآية الثانية في النحلأُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [النحل: 108]، والثالثة في حم الجاثيةأَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [الجاثية: 23] الآية. ثم قال { وَفِيۤ آذَانِهِمْ وَقْراً } أي: صمماً وثقلاً لا يسمعون الحق. قرأ ابن كثير كما يقولون بالياء وكذلك في قوله:عَمَّا يَقُولُونَ } [الإسراء: 43] وكذلكيُسَبِّحُ لَهُ } [النور: 36] الثلاثة كلها بالياء على معنى المغايبة. وقرأ حمزة والكسائي كلهن بالتاء على معنى المخاطبة ولفظ التأنيث وقرأ نافع وابن عامر الأول خاصة بالتاء والآخرين بالياء. وقرأ أبو عمرو الأوسط بالياء. واختلفوا عن عاصم في رواية حفص الآخر خاصة بالياء وروى أبو بكر مثل ابن عامر قوله تعالى: { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْآنِ وَحْدَهُ } يعني: وحدانيته، قول لا إله إلا الله { وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ نُفُوراً } أي: أعرضوا تباعداً عن الإيمان. وقال القتبي: ولوا على أدبارهم هرباً. وهو مثل ما قال مقاتل وذلك حين قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: " قولوا لا إله إلا الله تتملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم " فنفروا من ذلك. ثم قال: { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ } يعني: بالقرآن { إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } أي: إلى قراءتك القرآن { وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } يعني: يتناجون فيما بينهم { إِذْ يَقُولُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } أي: يقول المشركون للمؤمنين { إِن تَتَّبِعُونَ } يعني: ما تطيعون { إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا } يعني: مقلوب العقل. وذكر القتبي عن مجاهد أنه قال مسحوراً أي: مخدوعاً. لأن السحر حيلة وخديعة كقوله:فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } [المؤمنون: 89] أي: من أين تخدعون. وذكر عن أبي عبيدة قال: السحر الرئة يقال للرجل: انتفخ سحرك إذا جبن. يعني: إن تتبعون إلا رجلاً ذا رئة أي: بشراً مثلكم.