الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } * { وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } * { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } * { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } * { كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً }

ثم قال { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } أي: إلا على وجه التجارة لينمو مال اليتيم بالأرباح أو ينمو على وجه المضاربة { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } يعني: حتى يتم خلقه. وقال القتبي: أشد الرجل غير أشد اليتيم وإن كان لفظهما واحداً. لأن قوله تعالى:حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } [الأحقاف: 25] إنَّما هو الاكتمال، وذلك ثلاثون سنة. وأشد الغلام أن يشتد خلقه وذلك ثمان عشرة سنة. وقال مقاتل: هذه الآية منسوخة بقوله:وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَٰنُكُمْ } [البقرة: 220] ثم قال: { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ } يعني: الذي بينكم وبين الله تعالى والعهد الذي بينكم وبين الناس { إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } يعني: إن ناقض العهد يسأل عنه يوم القيامة. ثم قال تعالى: { وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ } لغيركم { وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ } أي: بالميزان العدل بلغة الروم قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص " بالقِسْطَاسِ " بكسر القاف والباقون بالضم وهما لغتان، يعني: الميزان ويقال: هو القبان { ذٰلِكَ خَيْرٌ } أي: الوفاء بجميع ما أمركم الله تعالى به ونهاكم عنه خير من البخس والنقصان { وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } أي: عاقبة ومرجعاً في الآخرة { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } يقول: لا تقل ما لم تعلم فتقول: علمت ولم تعلم ورأيت ولم تر. وسمعت ولم تسمع. أي: كأنك تقفو الأمور. يقال: قفوت أثره، والقائف الذي يعرف الآثار ويتبعها، ثم حذرهم فقال: { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } أي: يسأل العبد عن أعضائه يوم القيامة فيشهدن عليه، ويقال: معناه صاحب السمع والبصر والفؤاد يسأل يوم القيامة عن السمع والبصر والفؤاد. ويقال: قوله: { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أي: لا تقل ما لم تعلم ولا تسمع اللغو ولا تنظر إلى الحرام ولا تحكم على الظن كل أُولئك كان عنه مسئولاً. يعني: عن الكلام باللسان والتسمع بالسمع والتبصر بالبصر على وجه الإخبار وهو من جوامع الكلم ثم قال: { وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأَرْضِ مَرَحًا } يعني: بالتكبر والفخر { إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ } يعني: لن تدخل { ٱلأَرْضَ } ولن تجاوزها { وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } قال القتبي: يعني: لا تقدر أن تقطعها حتى تبلغ إلى آخرها. يقال: فلان أخرق إلى الأرض من فلان إذا كان أكثر أسفاراً، ولن تبلغ الجبال طولاً يريد أنه ليس للعاجز أن يمدح نفسه ويستكبر ثم قال: { كُلُّ ذٰلِكَ } أي: كل ما أمرتك به ونهيتك عنه { كَانَ سَيّئُهُ عِنْدَ رَبّكَ } يعني: ترك ذلك معصية عند الله { مَكْرُوهًا } أي: منكراً. قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع " سَيِّئَةً " بنصب الهاء مع التنوين يعني: خطيئة ومعناه: ما ذكر في الآية، تركه كان معصية وسيئة. وقرأ الباقون " سَيِّئُهُ " بضم الهاء على معنى الإضافة. قال أبو عبيدة: وبهذه القراءة نقرأ، وحجته قراءة أُبَيّ، كان يقرأ سَيِّئَاتِهِ على معنى الإضافة.