الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } * { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } * { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً }

قوله: { وَكُلَّ إِنْسَـٰنٍ أَلْزَمْنَـٰهُ طَـئِرَهُ فِى عُنُقِهِ } قال ابن عباس: أي خيره وشره مكتوب عليه لا يفارقه، وقال قتادة: سعادته وشقاوته. قال الفقيه: حدثنا محمد بن الفضل. قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا يزيد بن ربيع عن يونس عن الحسن قال في قوله { وَكُلَّ إِنْسَـٰنٍ أَلْزَمْنَـٰهُ طَـئِرَهُ فِى عُنُقِهِ }: طائره عمله وإليه هداه أُمِّيَّاً كان أو غير أمي، وروى الحكم عن مجاهد أنه قال: ما من مولود إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد وقال الضحاك طائره في عنقه الشقاوة والسعادة والأجل والرزق { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ كِتَابًا يَلْقَـٰهُ مَنْشُوراً } أي مفتوحاً. قرأ ابن عامر: " يُلَقَّاهُ " بضم الياء وتشديد القاف يعني: يعطاه والباقون " يَلْقَاهُ " أي: يراه. وقوله: { ٱقْرَأْ كِتَـٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } أي: شاهداً. ويقال: محاسباً. لما ترى فيه كل حسنة وسيئة محصاة عليك. قال ابن عباس: فإِن كان مؤمناً أعطي كتابه بيمينه وهي: صحيفة يقرأ سيئاته في باطنها وحسناته في ظاهرها فيجد فيها عملَت كذا وكذا وصنعتَ كذا وكذا وقلتَ كذا وكذا في سنة كذا وكذا في شهر كذا وكذا وفي يوم كذا وكذا وفي ساعة كذا وكذا وفي مكان كذا وكذا، فإذا انتهى إلى أسفلها قيل له: قد غفرها الله لك اقرأ ما في ظهرها فيقرأ حسناته فيسره ما يرى فيها ويشرق لونه، عند ذلك يقول:هَآؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَـٰبيَهْ } [الحاقة: 19]. قال ويعطى الكافر بشماله ويقرأ حسناته في باطنها وسيئاته في ظاهرها، فإِذا انتهى إلى آخره قيل له هذه حسناتك قد ردت عليك، اقرأ ما في ظهرها فيرى فيها سيئاته قد حفظت عليه كل صغيرة وكبيرة فيسوءه ذلك ويسود وجهه وتزرق عيناه ويقول عند ذلكيا لَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَـٰبِيَهْ } [الحاقة: 25] وهو قوله { كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } أي: حفيظاً. وقال مقاتل: وذلك حين جحد فختم على لسانه وتكلمت جوارحه فشهدت جوارحه على نفسه وذلك قوله: { كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } أي: شهيداً. فلا شاهد عليك أفضل من نفسك قوله: { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ } (يعني من اجتهد حتى اهتدى) { فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ } يعني: فثوابه لنفسه { وَمَن ضَلَّ } أي: ومن تغافل حتى ضل { فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } أي: إثمه على نفسه { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } أي: لا تؤاخذ نفس بذنب نفس أخرى ثم قال: { وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } حجة عليهم مع علمه أنهم لا يطيعون وينذرهم ما هم عليه من المعصية فإِن أجابوا وإلاّ عذبوا.