الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ } * { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ }

قوله { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّمَّا خَلَقَ ظِلَـٰلاً } أي: أشجاراً تستظلون بها. ويقال بيوتاً تسكنون فيها { وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَـٰناً } أي: جعل لكم من الجبال بيوتاً تسكنون فيها ويقال: أكناناً: يعني: الغيران والأسراب واحدها كن { وَجَعلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } أي: القمص { تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } يعني: والبرد. اكتفاء أحدهما إذا كان يدل على الآخر. وقال قتادة في قوله " مما خلق ظلالاً ". أي: من الشجر وغيره " وجعل لكم من الجبال أكناناً " يعني: غيراناً في الجبال يسكن فيها تقيكم من الحر أي: من القطن والكتان والصوف قال: وكانت تسمى هذه السورة سورة النعم { وَسَرٰبِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } وهي: الدروع من الحديد تدفع عنكم قتال عدوكم ثم قال: { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } أي: ما ذكر من النعم في هذه السورة { لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } أي: تعرفون رب هذه النعم فتوحدوه وتخلصوا له بالعبادة. وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ " لعلكم تسلمون " بنصب التاء واللام ومعناه تسلمون من الجراحات إذا لبستم الدروع وتسلمون من الحر والبرد إذا لبستم القمص. ثم قال بعد ما بين العلامات { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي: أعرضوا عن الإيمان { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } تبلغهم رسالتي وتبين لهم الهدى من الضلالة. ثم قال تعالى: { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } أي: يعرفون أن خالق هذه الأشياء هو الله تعالى ثم ينكرونها ويقولون هي بشفاعة آلهتنا، وهذا قول الكلبي. وقال السدي: يعني يعرفون محمداً - صلى الله عليه وسلم - أنه نبي وأنه صادق ولا يؤمنون به. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا }. قال: هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها وسرابيل الحديد والثياب، يعرف هذا الكافرون ثم ينكرونها ويقولون هذا كان لآبائنا وورثناها. ويقال: إنكارهم قولهم لولا كذا لكان كذا، ويقال: " يعرفون نعمة الله " وذلك أنهم إذا سئلوا من خلقهم؟ يقولون الله. ثم ينكرونها يعني البعث { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } يعني: كلهم كافرون بالتوحيد. ويقال: جاحدون بالنعم. قوله: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ } أذكر يوم نبعث { فِى كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا } أي: نبياً شاهداً على أمته بالرسالة أنه بلغها { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي: في الكلام { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } يقول: لا يرجعون من الآخرة إلى الدنيا. وقال أهل اللغة: عَتَب يَعْتِب إذا وجد عليه وأعْتَبَ يُعْتِبُ إذا رجع عن ذنبه واستعتب يستعتب إذا طلب منهم الرجوع. أي: لا يطلب منهم الرجوع إلى الدنيا. قوله: { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ } أي: الكفار { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ } أي: لا يهون عليهم العذاب حين رأوها { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي: لا يمهلون ولا يؤجلون ولا يتركون ساعة ليستريحوا. قوله: { وَإِذَا رَءا ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءهُمْ } أي: آلهتهم { قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلآء شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا } يعني: نعبد { مِن دُونِكَ } يقولون نعبد دونك وهم أمرونا بذلك، ويقال: يعني السفلة إذا رأوا شركاءهم يعني: أمراءهم ورؤساءهم قالوا ربنا هؤلاء قادتنا الذين كنا ندعو من دونك. أي هم أَمرونا بالمعصية فأطعناهم { فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ } يعني: الآلهة والقادة وأجابوهم { إِنَّكُمْ لَكَـٰذِبُونَ } ما أمرناكم بذلك.