الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } * { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } * { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ }

وقوله: { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } أي: ألهمها إلهاماً. مثل قوله:بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [الزلزلة: 5]. { أَنِ ٱتَّخِذِى مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتًا } أي: مسكناً { وَمِنَ ٱلشَّجَرِ } يعني: أن اتخذي من الجبال ومن الشجر مسكناً { وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } يعني: ومما يبنون من سقوف البيت. قرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر " يَعْرُشُونَ " بضم الراء. والباقون بالكسر ومعناهما واحد أَي: ومما يبنون من سقوف البيت { ثُمَّ كُلِى مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ } أي: من ألوان الثمرات. أي ألهمها بأكل الثمرات { فَٱسْلُكِى سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً } أي: ادخلي الطريق الذي يسهل عليك، ويقال: خذي طرق ربك مذللاً أي: مسخراً لك. وقال مقاتل: فاسلكي سبل ربك يعني: ادخلي طرق ربك في الجبال وفي خلال الشجر ذللاً. لأنَّ الله تعالى. ذلل لها طرقها حيث ما توجهت { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا } أي: من بطون النحل من قبل أفواهها مثل اللعاب { شَرَابٌ } يعني: العسل { مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } أي: العسل أبيض وأصفر وأحمر، ويقال: يخرج من أفواه الشباب من النحل الأبيض. ومن الكهول الأصفر ومن الشيوخ الأحمر { فِيهِ } أي: في العسل { شِفَآءٌ لِلنَّاسِ } روى أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: " جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أخي استطلق بطنه. فقال له: «اسقه عسلاً». فسقاه ثم جاء فقال: سقيته فلم يزده إلا استطلاقاً. فقال له: «اسقه عسلاً». فسقاه ثم جاءه فقال: سقيته فلم يزده إلاَّ استطلاقاً فقال له: «اسقه عسلاً صدق الله وكذب بطن أخيك» فسقاه فبريء " قال الفقيه أبو الليث: إنما يكون العسل شفاء إذا عرف الإنسان مقداره ويعرف لأي داء هو. فإذا لم يعرف مقداره ولم يعرف موضعه فربما يكون فيه ضرر، كما أن الله تعالى جعل الماء حياة كل شيء وربما يكون الماء سبباً للهلاك. وقال السدي: العسل شفاء الأوجاع التي يكون شفاؤها فيه. وقال مجاهد: " فيه شفاء للناس " أي: في القرآن بيان للناس من الضلالة. وروى أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود أنه قال: العسل شفاء من كل داء والقرآن شفاء لما في الصدور. وروى الأسود عن ابن مسعود أنه قال: عليكم بالشفاء من القرآن والعسل ثم قال: { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } أي: فيما ذكر من أمر النحل لعلامة لوحدانيتي { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يعني: علموا أن معبودهم لم يغنهم من شيء ثم قال: { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّـٰكُمْ } أي: يقبض أرواحكم { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } أي: إلى أسفل العمر وهو الهرم { لِكَىْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا } أي: صار بحال لا يعلم ما علم من قبل. ويقال: لكيلا يعقل من بعد عقله الأول شيئاً.

السابقالتالي
2