الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } * { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }

ثم قال: { خَلَقَ ٱلإِنْسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ } يقول: من ماء الرجل { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } يقول: جدل بالباطل ظاهر الخصومة. وهو أبي بن خلف حيث أخذ عظماً بالياً ففته بيده وقال: عجباً لمحمد يزعم أنه يعيدنا بعد ما كنا عظاماً ورفاتاً وإنا نعاد خلقاً جديداً. فنزلأَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقْنَـٰهُ مِن نُّطْفَةٍ } [يس: 77] الآية ثم بين النعمة فقال تعالى: { وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ } الدفء ما يستدفأ به من الأكسية وغيرها والذي يتخذ منه البيوت من الشعر والوبر والصوف، وأما المنافع فظهورها التي تحمل عليها وألبانها. ويقال: الدفء الصغار من الإِبل. وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: { لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ }. أي في نسل كل دابة. ثم قال: { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أي: من لحومها. قوله: { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ } أي: ولكم يا بني آدم في الأنعام جمال حسن المنظر { حِينَ تُرِيحُونَ } أي: حتى تروح الإبل راجعة إلى أهلها { وَحِينَ تَسْرَحُونَ } أي: تسرح إلى الرعي أول النهار { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ } أي: أمتعتكم وزادكم { إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَـٰلِغِيهِ إِلاَّ بِشِقّ ٱلأَنفُسِ } إلا بجهد الأبدان. وروى سماك عن عكرمة قال بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس) قال: هي مكة. ويقال: هذا الخطاب لأَهل مكة كانوا يخرجون إلى الشام وإلى اليمن ويحملون أثقالهم على الإِبل ثم قال: { إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } إذ لم يعجلكم بالعقوبة ثم قال: { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } أي: جمالاً ومنظراً وحسناً. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه سئل عن لحوم الخيل. فكرهه وتلا هذه الآية. { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً }. يعني إنما خلق هذه الأصناف الثلاثة للركوب والزينة لا للأكل. وسائر الأنعام خلقت للركوب والأكل كما قال { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } وبه كان يقول أبو حنيفة إن لحم الخيل مكروه. ثم قال: { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي: خلق أشياء تعلمون وخلق أشياء مما لا تعلمون. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إن الله خلق أرضاً بيضاء مثل الدنيا ثلاثين مرة محشوة خلقاً من خلق الله تعالى لا يعلمون أن الله تعالى يعصى طرفة عين». قالوا يا رسول الله أمن ولد آدم هم؟ قال «ما يعلمون أن الله خلق آدم». قالوا فأين إبليس منهم؟ قال «ما يعلمون أن الله خلق إبليس» ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ويخلق ما لا تعلمون " قوله: { وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } أي: بيان الهدى، ويقال هداية الطريق { وَمِنْهَا جَائِرٌ } أي: من الطرق ما هو مائل عن طريق الهدى إلى طريق اليهودية والنصرانية. وروى جويبر عن الضحاك أنه قال: { وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } يعني: بيان الهدى { وَمِنْهَا جَائِرٌ } أي سبيل الضلالة وقال قتادة في قراءة عبد الله بن مسعود ومنها جائر أي مائل عن طريق الهدى { وَلَوْ شَآء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } أي: لو علم الله تعالى أن الخلق كلهم أهلاً للتوحيد (لهداهم). ويقال: لو شاء الله لأنزل آية يضطر الخلق إلى الإيمان (بها).