الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ } * { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ }

{ فَأَصَابَهُمْ سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } أي: جزاء ما عملوا { وَحَاقَ بِهِم } أي: نزل بهم { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } من العذاب أنه غير نازل بهم. قوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } أي: أهل مكة { لَوْ شَآء ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْء } قالوا ذلك على وجه الاستهزاء يعني إن الله قد شاء لنا ذلك الذي { نَحْنُ } فيه. { وَلاَ آبَاؤُنَا } ولكن شاء لنا ولآبائنا. { وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْء } ولا آباؤنا. ولكن شاء لنا من تحريم البحيرة والسائبة وأمرنا به ولو لم يشأ ما حرمنا من دونه من شيء قال الله تعالى { كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يقول هكذا كذب الذين من قبلهم من الأمم { فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ } أي: ليس عليهم إلا تبليغ الرسالة { ٱلْمُبِينُ } أي: بينوا لهم ما أمروا به. قوله { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ } أي: في كل جماعة { رَسُولاً } كما بعثناك إلى أهل مكة { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } أي: وحدوا الله وأطيعوه { وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ } أي: اتركوا عبادة الطاغوت وهو الشيطان والكاهن والصنم { فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ } لدينه وهم الذين أَجابوا الرسل للإيمان { وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ } يعني وجبت { عَلَيْهِ ٱلضَّلَـٰلَةُ } فلم يجب الرسل إلى الإيمان { فَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ } يقول سافروا في الأرض { فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذّبِينَ } يقول اعتبروا كيف كان آخر أمر المكذبين. فلما نزلت هذه الآية قرأها - صلى الله عليه وسلم - عليهم فلم يؤمنوا فنزل قوله: { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ } يعني: على إيمانهم { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ } يقول: من يضلل الله، وعلم أنه أهل لذلك وقدر عليه ذلك. قال مقاتل: من يضلل الله فلا هادي له. قرأ أهل الكوفة حمزة وعاصم والكسائي " لاَ يَهْدِي " بنصب الياء وكسر الدال أي: لا يهدي من يضلله الله. وقرأ الباقون " لاَ يُهْدَى " بضم الياء ونصب الدال على معنى فعل ما لم يسم فاعله، ولم يختلفوا في " يُضِلُّ " إنه بضم الياء وكسر الضاد. وقال إبراهيم بن الحكم سألت أبي عن قوله تعالى فإن الله لا يهدي من يضل فقال: قال عكرمة: قال ابن عباس: من يضلله الله لا يهدى. { وَمَا لَهُم مّن نَّـٰصِرِينَ } أي: من ما نعني من نزول العذاب قوله: { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ } وكل ما حلف بالله فهو جهد اليمين، لأَنهم كانوا يحلفون بالأصنام بآبائهم ويسمون اليمين بالله جهد اليمين وكانوا ينكرون البعث بعد الموت وحلفوا بالله حين قالوا: { لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } فكذبهم الله تعالى في مقالتهم فقال: { بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّاً } أوجبه على نفسه ليبعثهم بعد الموت { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا يصدقون بالبعث بعد الموت قوله { لِيُبَيّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى يَخْتَلِفُونَ فِيهِ } من الدين يوم القيامة، يعني: يبعثهم ليبين لهم أن ما وعدهم حق { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: ليستبين لهم عندما خرجوا من قبورهم { أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰذِبِينَ } في الدنيا.