الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } * { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } * { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله: { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } يقول: وصف الله شبهاً { قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً } يعني: مكة من العدو { مُّطْمَئِنَّةً } من العدو أي: ساكنة مقيمة أهلها بمكة { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا } أي: يحمل إليها طعامها ورزق أهلها { رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ } يعني موسعاً من كل أرض يحمل إليها الثمار وغيرها { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ } أي: طغت وبطرت ويقال: كفرت بمحمد - صلى الله عليه وسلم - { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ } أي: عاقبهم الله تعالى سبع سنين، ومعنى اللباس هنا: سوء الحال واصفرار الوجوه { وَٱلْخَوْفِ } يعني: خوف العدو وخوف سرايا النبي - صلى الله عليه وسلم - { بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } أي: عقوبة لهم وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم فقال: " اللهم اشدد وطأتك على مضر. اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فاستجاب الله دعاءه فوقع القحط والجدوبة حتى اضطروا إلى أكل الميتة والكلاب. قال القتبي: أصل الذوق بالفم، ثم يستعار فيوضع موضع الابتلاء والاختيار فأذاقها الله لباس الجوع والخوف يعني ابتلاهم الله بالجوع والخوف وظهر عليهم من سوء آثارهم وتغير الحال عليهم. قوله: { وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مّنْهُمْ } أي: محمد - صلى الله عليه وسلم - { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي: الجوع { وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ } أي: كافرين. ثم إن أهل مكة بعثوا أبا سفيان بن حرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله: ما هذا البلاء هبك عاديت الرجال فما بال الصبيان والنساء. فأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يحمل إليهم الطعام فحمل إليهم الطعام ولم يقطع عنهم وهم مشركون. فقال الله تعالى: { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـلاً طَيّباً } أي: من الحرث والأنعام حلالاً طيباً يعني: وهم خزاعة وثقيف { وَٱشْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } يعني: إن كنتم تريدون بذلك رضاء الله وعبادته فإن رضاه أن تستحلوا ما أحل الله وتحرموا ما حرم الله. ثم بين المحرمات فقال تعالى: { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } أي: ذبح بغير اسم الله { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } أي أجهد إلي بشيء مما حرم الله عليه { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } في أكله أي: لا يأكل فوق حاجته، ويقال: غير مفارق الجماعة ولا عاد عليهم { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } فيما أكل { رَّحِيمٌ } حين رخص له في أكل الميتة عند الاضطرار. ثم قال: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ } أي: لا تقولوا يا أهل مكة فيما أحللت لكم { هَـٰذَا حَلَـٰلٌ } على الرجال { وَهَـٰذَا حَرَامٌ } على النساء، ويقال: في الآية تنبيه للقضاة والمفتين كيلا لا يقولوا قولاً بغير حجة وبيان. ثم قال: { لّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } أي: بتحريم البحيرة والسائبة { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } أي: لا يفوزون ولا ينجون من العذاب { مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ } أي: عيشهم في الدنيا قليل { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الآخرة.