الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } * { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }

ثم قال تعالى: { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ } يعني: قل يا محمد: نزل جبريل بالقرآن، والتشديد لكثرة نزوله ويقال: نَزَّلَ بمعنى تَنَزَّلَ كما يقال قَدَّمَ بمعنى تَقَدَّمَ وَبَيَّنَ بمعنى تَبَيَّنَ، ويقال: نزله بمعنى تلاه وبلغه، ويقال: قل: نزله روح القدس يعني: جبريل الذي يأتيك بالناسخ والمنسوخ { مِن رَبّكَ } أي: من عند ربك ويقال: من كلام ربك { بِٱلْحَقِّ } أي بالوحي ويقال: بالصدق، ويقال: للحق ويقال: لصلاح الخلق { لِيُثَبّتَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي: ليحفظ قلوب الذين آمنوا على الإسلام، ويقال: لِتَطمئن إليه قلوب الذين آمنوا { وَهَدَىٰ } من الضلالة { وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } بالجنة. ثم قال: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ } يعني: أن كفار قريش يقولون { إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ } يعنون: جبراً ويسار. وروى حصين عن عبد الله بن مسلم قال: كان لنا غلامان من أهل اليمن نصرانيان. إسم أحدهما يسار والآخر جبر صيقليان وكانا يقرآن بلسانهما فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمر عليهما يسمع منهما فقال المشركون إنما يتعلم منهما. فأكذبهم الله تعالى حيث قال { لّسَانُ ٱلَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ } أي: رومي اللسان وقال مقاتل: كان غلام لعامر بن الحضرمي اسمه يسار يهودي أعجمي اللسان. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أذاه كفار قريش يدخل عليه ويحدثه فقال المشركون: إنما يعلمه يسار فقال الله تعالى رداً عليهم: { لّسَانُ ٱلَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىُّ } أي يميلون إليه ويزعمون أنه يعلمه أعجمي أي عبراني وأصل الإلحاد الميل { وَهَـٰذَا } يعني القرآن { لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ } يعني: مفقه بلغتهم، وروي عن طلحة بن عمير أنه قال: بلغني أن خديجة كانت تختلف إلى غلام ابن الحضرمي. وكان نصرانياً وكان صاحب كتب يقال له جبر وكانت قريش تقول إنَّ عبد ابن الحضرمي يعلم خديجة وخديجة تعلم محمداً - صلى الله عليه وسلم - فنزل { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ } ثم أسلم جبر بعد ذلك وحسن إسلامه وهاجر مع سيده. قرأ ابن كثير " روح القُدْسِ " بجزم الدال وقرأ الباقون " الْقُدُسِ " بضم الدال. وقرأ حمزة والكسائي " يَلْحَدُونَ " بنصب الياء والحاء وقرأ الباقون " يُلْحِدُونَ " بضم الياء وكسر الحاء ومعناهما واحد.