الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ } * { فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } * { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } * { وَإِن كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ } * { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ }

{ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } أي: بحياتك يا محمد إنهم لفي جهالتهم وضلالتهم يعمهون أي: يترددون ويتجبرون، يعني: إن أهل مكة يسمعون هذه العجائب ولا تنفعهم وهم على جهلهم مصرون. قال: حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا ابن معاذ قال: حدثنا عبد العزيز بن أبان عن سعيد بن زيد عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس أنه قال: ما خلق الله نفساً أكرم على الله من محمد - صلى الله عليه وسلم - وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره فقال { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ }. ثم رجع إلى قصة قوم لوط فقال تعالى: { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } أي: أخذتهم صيحة جبريل { مُشْرِقِينَ } يعني: عند طلوع الشمس وذلك أن جبريل قلع الأرض وقت الصبح (فرفعها مع الملائكة إلى قريب من السماء ثم قلبها وأهواها إلى الأرض وصاح بهم وقت طلوع الشمس) فذلك قوله { فَجَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ } وقد ذكرناها { إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي: في هلاك قوم لوط { لآَيَاتٍ } أي: علامات { لِلْمُتَوَسّمِينَ } يقول: للمتفكرين. وقال قتادة: للمعتبرين. وقال الضحاك: للناظرين وقال مجاهد: للمفترسين. قال الفقيه: حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا أبو يعقوب قال: حدثنا عمار بن الربيع الباهلي عن أبي صالح بن محمد عن محمد وهو ابن مروان عن عمرو بن قيس عن عطية عن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ثم قرأ { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لِلْمُتَوَسّمِينَ }. وقال الزجاج: حقيقته في اللغة النظار المثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة سمة الشيء، يقال: توسمت في فلان كذا وكذا. أي عرفت ذلك فيه. ثم قال { وَإِنَّهَا } أي قريات لوط { لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } أي: بطريق واضح بين يرونها حين مروا بها. { إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي: في هلاك قوم لوط { لآيَةً } أي: لعلامة وعبرة { لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِن كَانَ } يقول: وقد كان { أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ } أي: أصحاب الغيضة، والغيضة والأيكة الشجرة. وهم قوم شعيب.

قال قتادة: مدين وإلى أصحاب الأيكة، وقال بعضهم: آل مدين والأيكة واحد. لأن الأيكة كانت عند مدين وهذا أصح. { لَظَـٰلِمِينَ } أي: لكافرين قوله: { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } بالعذاب { وَإِنَّهُمَا } أي: قريات لوط وشعيب { لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } أي: لبطريق واضح. وقال القتبي: أصل الإمام ما يؤتم به. قال الله تعالى: { إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } أي يؤتم ويقتدى بك، ثم تستعمل لمعاني منها الكتاب إماماً لأنه يؤتم بما أحصاه الكتاب قال الله تعالى:يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـٰمِهِمْ } [الإسراء: 71] أي بكتابهم وقال تعالىوَكُلَّ شىْءٍ أَحْصَيْنَـٰهُ فِىۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ } [يس: 12] أي: في اللوح المحفوظ وهو الكتاب، وسمي الطريق إماماً لأن المسافر يأتم به ويستدل به قال الله تعالى: { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } أي بطريق واضح أي: قريات قوم لوط وقرية شعيب عليهما السلام.