الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ } * { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } * { وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } * { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ }

ثم قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ } يعني: من فرعون وآله. كما قال في آية أخرىوَأَغْرَقْنَآ ءَالَ فِرْعَونَ } [الأنفال: 54] يعني: فرعون وآله { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ ٱلْعَذَابِ } يقول: يعذبونكم بأشد العذاب { وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ } الصغار { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ } يعني: يستخدمون نساءكم { وَفِى ذٰلِكُمْ } يعني: ذبح الأبناء واستخدام النساء { بَلاءٌ مِّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ } يعني: بلية عظيمة لكم من خالقكم. ويقال في إنجاء الله نعمة عظيمة لكم. قوله تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ } يعني: قال. ويقال أعلم ربكم { لَئِن شَكَرْتُمْ } نعمتي عليكم { لأَزِيدَنَّكُمْ } من النعمة { وَلَئِن كَفَرْتُمْ } بتوحيد الله وجحدتم نعمتي عليكم { إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } في الآخرة. قال الفقيه: حدثنا أبي رحمه الله بإسناده عن أبي هريرة أنه قال: من رزق ستاً لم يحرم ستاً. من رزق الشكر لم يحرم الزيادة لقوله تعالى: { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }. ومن رزق الصبر لم يحرم الثواب لقوله تعالى:إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10] ومن رزق التوبة لم يحرم القبول لقوله تعالى:وَهُوَ ٱلَّذِى يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهَِ } [الشورى: 25] ومن رزق الاستغفار لم يحرم المغفرة لقوله تعالى:ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } [نوح: 10] ومن رزق الدعاء لم يحرم الإجابة لقوله تعالى:ٱدْعُونِىۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60] ومن رزق النفقة لم يحرم الخلف لقوله تعالى:وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } [سبأ: 39]. قوله تعالى: { وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } يعني إن جحدتم نعم الله ولم تؤمنوا به { فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ } يعني: عن إيمانكم وطاعتكم { حَمِيدٌ } لمن عبده منكم بالمغفرة. قوله تعالى: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } يقول: ألم يأتكم في القرآن خبر الذين من قبلكم من الأمم الماضية، كيف عذبهم الله تعالى عند تكذيب رسلهم { قَوْمِ نُوحٍ } كيف أهلكهم بالغرق { وَعَادٍ } كيف أهلكهم الله بالريح { وَثَمُودَ } كيف أهلكهم بالصيحة. فهذا تهديد لأهل مكة ليعتبروا بهم قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ } كيف عذبوا { لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ } يعني: لا يعلم عددهم إلا الله قال ابن مسعود: كذب النسابون. وقرأ { وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ }. { جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } يعني: جاء الرسل بالأمر والنهي { فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ } قال مقاتل: وضع الكفار أيديهم على أفواههم فقالوا للرسل اسكتوا فإنكم كذبة. وإن العذاب غير نازل بنا وروى هبيرة بن يزيد عن عبد الله بن مسعود في قوله " فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ ". قال جعلوا أصابعهم في فيهم. وقال القتبي أي عضوا عليها حنقا وغيظاً.

قال مجاهد وقتادة: يعني: ردوا عليهم قولهم وكذبوهم. ويقال: فردوا أيديهم. يعني: نِعَم رسلهم. لأن مجيئهم بالبينات نعم. ومعنى قوله في أفواههم أي بأفواههم. أي: ردوا تلك النعمة بالنطق بالتكذيب { وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا } فهذا هو ردهم { بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ } يعني: بما تدعونا إليه { وَإِنَّا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } وهو المبالغة في الشك يعني ظاهر الشك.