ثم قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ } يعني: من فرعون وآله. كما قال في آية أخرى{ وَأَغْرَقْنَآ ءَالَ فِرْعَونَ } [الأنفال: 54] يعني: فرعون وآله { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ ٱلْعَذَابِ } يقول: يعذبونكم بأشد العذاب { وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ } الصغار { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ } يعني: يستخدمون نساءكم { وَفِى ذٰلِكُمْ } يعني: ذبح الأبناء واستخدام النساء { بَلاءٌ مِّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ } يعني: بلية عظيمة لكم من خالقكم. ويقال في إنجاء الله نعمة عظيمة لكم. قوله تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ } يعني: قال. ويقال أعلم ربكم { لَئِن شَكَرْتُمْ } نعمتي عليكم { لأَزِيدَنَّكُمْ } من النعمة { وَلَئِن كَفَرْتُمْ } بتوحيد الله وجحدتم نعمتي عليكم { إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } في الآخرة. قال الفقيه: حدثنا أبي رحمه الله بإسناده عن أبي هريرة أنه قال: من رزق ستاً لم يحرم ستاً. من رزق الشكر لم يحرم الزيادة لقوله تعالى: { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }. ومن رزق الصبر لم يحرم الثواب لقوله تعالى:{ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10] ومن رزق التوبة لم يحرم القبول لقوله تعالى:{ وَهُوَ ٱلَّذِى يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهَِ } [الشورى: 25] ومن رزق الاستغفار لم يحرم المغفرة لقوله تعالى:{ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } [نوح: 10] ومن رزق الدعاء لم يحرم الإجابة لقوله تعالى:{ ٱدْعُونِىۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60] ومن رزق النفقة لم يحرم الخلف لقوله تعالى:{ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } [سبأ: 39]. قوله تعالى: { وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } يعني إن جحدتم نعم الله ولم تؤمنوا به { فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ } يعني: عن إيمانكم وطاعتكم { حَمِيدٌ } لمن عبده منكم بالمغفرة. قوله تعالى: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } يقول: ألم يأتكم في القرآن خبر الذين من قبلكم من الأمم الماضية، كيف عذبهم الله تعالى عند تكذيب رسلهم { قَوْمِ نُوحٍ } كيف أهلكهم بالغرق { وَعَادٍ } كيف أهلكهم الله بالريح { وَثَمُودَ } كيف أهلكهم بالصيحة. فهذا تهديد لأهل مكة ليعتبروا بهم قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ } كيف عذبوا { لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ } يعني: لا يعلم عددهم إلا الله قال ابن مسعود: كذب النسابون. وقرأ { وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ }. { جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } يعني: جاء الرسل بالأمر والنهي { فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ } قال مقاتل: وضع الكفار أيديهم على أفواههم فقالوا للرسل اسكتوا فإنكم كذبة. وإن العذاب غير نازل بنا وروى هبيرة بن يزيد عن عبد الله بن مسعود في قوله " فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ ". قال جعلوا أصابعهم في فيهم. وقال القتبي أي عضوا عليها حنقا وغيظاً. قال مجاهد وقتادة: يعني: ردوا عليهم قولهم وكذبوهم. ويقال: فردوا أيديهم. يعني: نِعَم رسلهم. لأن مجيئهم بالبينات نعم. ومعنى قوله في أفواههم أي بأفواههم. أي: ردوا تلك النعمة بالنطق بالتكذيب { وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا } فهذا هو ردهم { بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ } يعني: بما تدعونا إليه { وَإِنَّا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } وهو المبالغة في الشك يعني ظاهر الشك.