الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } * { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ } * { رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ } * { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } * { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } * { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ }

ثم قال تعالى: { رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى } من الوجد بإسماعيل وهاجر والحب لهما { وَمَا نُعْلِنُ } عند سارة من الصبر عنهما { وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ } يعني لا يذهب على الله شيء { فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَاء } يعني: من عمل أهل السماء وأهل الأرض. قال بعضهم: هذا كلام إبراهيم. وقال بعضهم هذا كلام الله تعالى " والله أعلم بالصواب ". ثم رجع إلى كلام إبراهيم فقال: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى ٱلْكِبَرِ } يعني: بعد الكبر وهو ابن تسع وتسعين سنة في رواية الكلبي. وفي رواية الضحاك ابن مائة وعشرين سنة { إِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } وكان إسماعيل أكبرهما بثلاث عشرة سنة { إِنَّ رَبّى لَسَمِيعُ ٱلدُّعَاء } يعني لمجيب الدعاء قوله تعالى: { رَبّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلوٰةِ } يعني: أكرمني بإتمام الصلاة { وَمِن ذُرّيَتِى } يعني فأكرمهم أيضاً لإتمام الصلاة { رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ } أي استجب دعائي. ويقال معناه تقبل عملي واستجب دعائي { رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ } قرأ بعضهم ولوالدتي لأن أمه كانت مسلمة وقرأ بعضهم ولوَلَدَيّ. يعني: إسماعيل وإسحاق. وقراءة العامة " وَلِوَالِدَيَّ " لأنه كان يستغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه { وَلِلْمُؤْمِنِينَ } يعني اغفر لجميع المؤمنين { يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ } يعني: يوم القيامة.

قوله تعالى: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } قرأ عاصم وحمزة وابن عامر ولا تَحْسَبَنَّ بنصب السين وقرأ الباقون بالكسر ومعناهما واحد. يعني لا تظن يا محمد أن الله غافل عما يعمل الظالمون يعني: المشركون. يعني إن أعمالهم لا تخفى على الله ولو شئت لعجلت عقوبتهم في الدنيا. قال ميمون بن مهران إن هذه الآية تعزية للمظلوم ووعيد الظالم. { إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ } يعني يمهلهم ويؤجلهم قرأ أبو عمرو في إحدى الروايتين " نُؤخِرهُمْ " بالنون وقرأ الباقون بالياء { لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلابْصَـٰرُ } يعني: تذهب فيه أبصار الكافرين. وذلك حين عاينوا النار تشخص أبصارهم. قوله { مُهْطِعِينَ } أي مسرعين. يقال أهطع البعير في السير إذا أسرع. ويقال مهطعين أي ناظرين قاصدين نحو الداعي. وقال قتادة: يعني مسرعين { مُقْنِعِى رُؤُوسِهِمْ } المقنع الذي يرفع رأسه شاخصاً بصره لا يطرق. وقال مجاهد: مهطعين مديمي النظر. مقنعي رؤوسهم رافعيها. وقال الخليل ابن أحمد المهطع الذي قد أقبل إلى الشيء ينظره ولا يرفع عينه عنه. مقنعي يعني: رافعي رؤوسهم مادي أعناقهم { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } يعني: لا يرجع إلى الكفار بصرهم { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } يعني: خالية من كل خير كالهواء ما بين السماء والأرض وقال السدي: هوت أفئدتهم بين موضعها وبين الحنجرة فلم ترجع إلى موضعها ولم تخرج كقولهإِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ } [غافر: 18] وهكذا قال مقاتل. وقال أبو عبيدة هواء أي مجوفة لا عقول فيها ثم قال: { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ } يعني: خوف أهل مكة { يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } في الآخرة قوله تعالى: { فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } يعني: أشركوا { رَبَّنَا أَخِّرْنَا } أي أجلنا { إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } لنرجع إلى الدنيا { نُّجِبْ دَعْوَتَكَ } يعني: الإسلام { وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } على دينهم. يقول الله تعالى: { أَوَ لَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ } يقول حلَفْتُم وأنتم في الدنيا من قبل هذا اليوم { مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ } أي لا تزولون عن الدنيا ولا تبعثون.