الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } * { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } * { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

قوله تعالى: { الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ } يعني: هذا كتاب أنزلنا جبريل ليقرأه عليك وهو القرآن { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ } أي لتدعو الناس { مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } يعني: من الكفر إلى الإيمان. وسمى الكفر ظلمات لأن الكفر طريق الضلالة فمن وقع فيه ضل الطريق وسمى الإيمان نوراً لأنه طريق واضح مبين { بِإِذْنِ رَبّهِمْ } يقول: بأمر ربهم { إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } يعني: دين الإسلام، العزيز المنيع بالنقمة لمن عصاه ولم يجب الرسل. الحميد لمن وحده. ويقال الحميد في فعاله. ويقال الحميد لأفعال الخلق يشكر لهم اليسير من أعمالهم ويعطي الجزيل. ثم قال تعالى: { ٱللَّهِ ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ } من الخلق. قرأ ابن عامر ونافع " اللَّهُ " بالضم على معنى الابتداء. وقرأ الباقون " اللَّهِ " بالكسر على معنى البناء ثم قال { وَوَيْلٌ لّلْكَـٰفِرِينَ } يعني الكافرين بوحدانية الله تعالى { مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } أي: غليظ دائم. والويل الشدة من العذاب. ويقال: الويل وادٍ في جهنم. ثم نعتهم فقال: { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ } يعني يستأثرون ويختارون الدنيا الفانية على الآخرة الباقية { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعني: يصرفون الناس عن ملة الإسلام { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } يعني: يريدون بملة الإسلام غيراً وزيغاً { أُوْلَـٰئِكَ فِى ضَلَـٰلٍ بَعِيدٍ } عن الحق. يعني: في خطإ طويل بعيد عن الحق. قوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } يعني: بلغة قومه ليفهموه وليكون أبين لهم يعني: { لِيُبَيّنَ لَهُمُ } طريق الهدى { فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَاء } عن دين الإسلام من لم يكن أهلاً لذلك. { وَيَهْدِي مَن يَشَاء } إلى دينه الإسلام من كان أهلاً لذلك { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } في ملكه { ٱلْحَكِيمُ } في أمره وقضائه ويقال الحكيم حكم بالضلالة والهدى لمن يشاء. قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ } يعني: باليد والعصا { أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ } يعني: ادع قومك { مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } يعني: من الكفر إلى الإيمان { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } يعني: خوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية ليؤمنوا. وقال مجاهد: أيام نعمه. وكذلك قال قتادة والسدي يعني ذكرهم نعمائي ليؤمنوا بي وروي في الخبر أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن حببني إلى عبادي. قال يا رب كيف أحببك إلى عبادك والقلوب بيدك. فأوحى الله إليه أن ذكرهم نعمائي ثم قال: { إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَاتٍ } يعني: في الذي فعلت بالأمم الخالية وما أعطيتهم من النعم لعلامات { لّكُلّ صَبَّارٍ } على طاعة الله والصبار هو البالغ في الصبر { شَكُورٍ } يعني شكور لنعم الله تعالى. وهو على ميزان فَعُول وهو المبالغة في الشكر.