قوله تعالى: { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } يقول وخرجوا من قبورهم لأمر الله تعالى. يعني القادة والأتباع اجتمعوا للحشر والحساب. وهذا كقوله{ وَحَشَرْنَـٰهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } [الكهف: 47]. { فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ } يعني: الأتباع والسفلة { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } وهم القادة { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً } في الدنيا نطيعكم فيما أمرتمونا به { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا } يقول: حاملون عنا { مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ قَالُواْ } يعني القادة للسفلة { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } يعني: لو أكرمنا الله بالهدي والتوحيد لهديناكم لدينه. ويقال: معناه لو أدخلنا الله الجنة لشفعنا لكم. ثم قالت القادة للسفلة { سَوَاءٌ عَلَيْنَا } العذاب { أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } يعني: من مفر ولا ملجأ من العذاب. وروى أسباط عن السدي أنه قال: يقول أهل النار تعالوا فلنصبر لعل الله يرحمنا بصبرنا فيصبرون فلا يرحمون. فيقولون تعالوا فلنجزع لعل الله يرحمنا بجزعنا فيجزعون فلا يغني عنهم شيئاً فيقولون { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }. قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلأَمْرُ } روى سفيان عن رجل عن الحسن أنه قال: إذا كان يوم القيامة ودخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة قام إِبليس خطيباً على منبر من نار فقال { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } الآية. ويقال إنهم لما دخلوا النار أقبلوا على إبليس وجعلوا يلومونه ويقولون أنت الذي أضللتنا فيرد عليهم. فبين الله تعالى رده عليهم لكيلا يغتروا به في الدنيا فذلك قوله { وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلأَمْرُ } يعني لما فرغ من الأمر حين دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فقال إبليس لأهل النار. { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } يعني: البعث بعد الموت أو الجنة والنار { وَوَعَدتُّكُمْ } بأنه لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب { فَأَخْلَفْتُكُمْ } فكذبتكم الوعد { وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـٰنٍ } يعني لم يكن لي قدرة الإكراه والقهر. ويقال لم أكن ملكاً فقهرتكم على عبادتي ويقال: لم يكن لي حجة على ما قلت لكم { إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ } يعني: سوى أن دعوتكم إلى طاعتي { فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى } يعني أجبتم لي طوعاً ختياراً { فَلاَ تَلُومُونِى } بدعوتي إياكم { وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ } بالإجابة { مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ } أي: بمغيثكم فأخرجكم من النار { وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ } يقول: ولا أنتم مغيثي فتخرجونني من النار { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } قال الكلبي: فيه تقديم وتأخير. يقول إني كفرت من قبل (ما عذلتموني) وكنت كافراً قبل ذلك فليس لكم عندي صراخ ولا إجابة. وقال مقاتل معناه: إني تبرأت اليوم مما أشركتموني مع الله في طاعتي من قبل في الدنيا. وقال القتبي في قوله: إني كفرت وتبرأت كقوله في سورة الممتحنة{ كَفَرْنَا بِكُمْ } [الممتحنة: 4] أي تبرأنا منكم وكقوله في العنكبوت{ ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ } [العنكبوت: 25] يعني: يتبرأ وهذا موافق لقوله تعالى:{ وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ } [فاطر: 14]. ثم قال: { إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعني الكافرين لهم عذاب دائم. قرأ حمزة (بِمُصْرِخِيِّ) بكسر الياء وهي قراءة الأعمش. وقرأ الباقون بنصب الياء. قال أبو عبيدة: النصب أحسن والأول ما نراه إلا غلطاً. وهكذا قال الزجاج. ويقال: هي لغة لبعض العرب والنصب هي اللغة الظاهرة. قرأ أبو عمرو " أَشْرَكْتُمُونِي " بالياء عند الوصل. وقرأ الباقون بغير ياء.