الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } * { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } * { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ }

ثم قال { وَٱسْتَفْتَحُواْ } يقول واستنصروا. قال قتادة: استنصرت الرسل على قومها. وقال مقاتل: يعني قومهم دعوا الله فقالوا: اللهم إن كانت رسلنا صادقين فعذبنا. ويقال استنصر كلا الفريقين { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } يقول خسر عند الدعاء كل متكبر عن الإيمان معرض عن التوحيد. وقال الزجاج الجبار الذي يضرب عند الغضب ويقتل عند الغضب. وقال مجاهد: كل جبار عنيد أي معاند للحق مجانب. ويقال نزلت في أبي جهل. قوله تعالى: { مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ } يقول: من قدامهم يعني: بعد الموت ويقال من بعدهم جهنم. ويقال يعني أمامه. كقوله تعالى:وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } [الكهف: 79] يعني: أمامهم. ثم قال: { وَيُسْقَىٰ مِن مَّاء صَدِيدٍ } يعني: بما يسيل من جلودهم من القيح والدم. ويقال ماء كهيئة الصديد. قوله تعالى: { يَتَجَرَّعُهُ } يعني: يردده في حلقه { وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } يقول: ولا يقدر على ابتلاعه لكراهيته ويقال يجتره { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ } (يعني: غم الموت وألمه وطعمه من كل مكان من جسده). ويقال: من كل ناحية ومن كل عرق ومن كل موضع شعرة يجد مرارة الموت { وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ } يعني: لا يموت أبداً { وَمِن وَرَائِهِ } يعني: من بعد الصديد { عَذَابٌ غَلِيظٌ } يعني: شديد لا يفتر عنه قوله تعالى: { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ } يعني: صفة الذين كفروا. ويقال: مثل أعمال الذين كفروا بربهم يوم القيامة { كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ } يقول: ذرت به الريح { فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } يعني: قاصف شديد الريح. فكذلك أعمال الكفار. أحبط الله ثواب أعمالهم وهذا كقولهوَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [الفرقان: 23] لأن أعمالهم كانت بغير إيمان ولا تُقبل الأعمال إلا بالإيمان. ولا ثواب لهم بها. قرأ نافع " اشْتَدَّتْ بِهِ الرّيَاحُ } بالألف وقرأ الباقون بغير ألف { لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَىْءٍ } يعني لا يقدرون على ثواب أعمالهم { ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } يعني: الخطأ البعيد عن الحق. قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ } يعني: ألم تعلم أن الله { خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } قرأ حمزة والكسائي " خَالِقُ السمـوات والأرض " بكسر الضاد على معنى الإضافة. وقرأ الباقون " خَلَقَ السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضَ " بنصب الضاد على معنى فعل الماضي. وقوله { بِٱلْحَقّ } يعني بالعدل ويقال ببيان الحق { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } يقول يميتكم ويهلكهم إن عصيتموه { وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } يعني: قوماً غيركم خيراً منكم وأطوع لله تعالى فهذا تهديد من الله ليخافوه. ثم قال { وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } يعني: إهلاككم ليس على الله بشديد.