الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } * { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } * { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } * { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }

قوله تعالى: { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } من الخلق { طَوْعاً وَكَرْهاً } قال قتادة: أما المؤمن فيسجد لله طائعاً. وأما الكافر فيسجد كرهاً. ويقال أهل الإخلاص يسجدون لله طائعين وأهل النفاق يسجدون له كرهاً (ويقال من ولد في الإسلام يسجد طوعاً ومن سبي من دار الحرب يسجد كرهاً) ويقال يسجد لله يعني يخضع له من في السموات والأرض ولا يقدر أحد أن يغير نفسه عن خلقته { وَظِلَـٰلُهُم } يعني: تسجد ظلالهم. وسجود الظل دورانه. ويقال ظل المؤمن يسجد معه وظل الكافر يسجد لله تعالى إذا سجد الكافر للصنم { بِٱلْغُدُوّ وَٱلآصَالِ } يعني أول النهار وآخره وقال أهل اللغة الأصيل ما بين العصر إلى المغرب وجمعه أُصُل والآصال جمع الجمع قوله تعالى: { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } يعني قل: يا محمد لأهل مكة من خالق السموات والأرض؟ فإن أجابوك وإلا فـ { قُلِ ٱللَّهُ } ثم قال { قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } يعني: أفعبدتم غيره { لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } أي كما لا يستوي الأعمى والبصير. كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن. ويقال الأعمى الجاهل الذي لا يتفكر ولا يرغب في الحق والبصير العالم الذي يتفكر ويرغب في الحق. { أَمْ هَلْ تَسْتَوِى ٱلظُّلُمَـٰتُ وَٱلنُّورُ } أي كما لا تستوي الظلمات والنور فكذلك لا يستوي الإيمان والكفر. قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر " يَسْتَوِي " بلفظ التذكير بالياء. وقرأ الباقون بالتاء بلفظ التأنيث،لأن تأنيثه ليس بحقيقي. فيجوز أن يذكر ويؤنث ولأن الفعل مقدم على الاسم ثم قال { أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ } يعني بل جعلوا لله شركاء من الأصنام ويقال معناه: أجعلوا لله شركاء. والميم صلة. ثم قال { خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ } يعني: هل خلق الأوثان خلقاً كما خلق الله فاشتبه عليهم خلق الله تعالى من خلق غيره. فلما ضرب الله مثلاً لآلهتهم سكتوا. قال الله تعالى { قُلِ ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلّ شَيْءٍ } قل يا محمد الله عز وجل خالق جميع الموجودين { وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّـٰرُ } يعني (الذي لا شريك له) القاهر لخلقه القادر عليهم ثم ضرب الله تعالى مثلاً للحق والباطل. لأن العرب كانت عادتهم أنهم يوضحون الكلام بالمثل وقد أنزل الله تعالى القرآن بلغة العرب فأوضح لهم الحق من الباطل بالمثل فقال { أَنزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَاء مَآءً } يعني المطر { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } يعني: سال في الوادي الكبير بقدره وفي الوادي الصغير بقدره. فشبه القرآن بالمطر وشبه القلوب بالأودية وشبه الهدى بالسيل { فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا } يعني: عالياً على الماء. فشبه الزبد بالباطل يعني احتملته القلوب على قدر أهوائها باطلاً كبيراً. فكما أن السيل يجمع كل قدر كذلك الأهواء تحتمل الباطل.

السابقالتالي
2