الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلْعِيْرَ ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } * { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ }

قوله تعالى: { وَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِى كُنَّا فِيهَا } يعني: أهل القرية. قال الكلبي: وهي قرية من قرى مصر. ويقال هي مصر بعينها. ويقال هو المنزل المؤذن فيه إنكم لسارقون. { وَٱلّعِيْرَ ٱلَّتِى أَقْبَلْنَا فِيهَا } يعني: سل أهل العير الذين كانوا معنا من أرض كنعان { وِإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ } في قولنا. فرجعوا إلى يعقوب بذلك القول فاتهمهم. فقال كلما خرجتم من عندي نقصتم واحداً. ذهبتم مرة فنقصتم يوسف وذهبتم مرة فنقصتم شمعون وذهبتم الآن ونقصتم بنيامين فقد صرتم كالذئاب يأكل بعضهم بعضاً. ثم قال تعالى { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ } قال يعقوب: اشتهت وزينت لكم قلوبكم { أمْراً } فصنعتموه { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } يعني: عليّ صبر جميل حسن من غير جزع لا أشكو فيه إلى أحد { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا } يعني لعل الله أن يرد علي يوسف ويهوذا وبنيامين { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ } بمكانتهم { ٱلْحَكِيمُ } أن يردهم عليّ قوله تعالى: { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } يعني: أعرض عن بينه وخرج عنهم { وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ } يعني يا حزنا والأسف أشد الحسرة { وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ } يعني من البكاء { فَهُوَ كَظِيمٌ } يعني مغموماً مكروباً، يتردد الحزن في جوفه. والكظيم والكاظم بمعنى واحد. مثل القدير والقادر. وهو المتمسك على حزنه لا يظهره ولا يشكوه. وروي عن الحسن أنه قال مكث يعقوب ثمانين سنة ما تجف دموعه ولا يفارق قلبه الحزن يوماً وما كان على الأرض يومئذ أحد أكرم على الله منه. قال وألقي يوسف في الجب وهو يومئذ إبن سبع سنين وغاب عن أبيه ثمانين سنة وعاش بعدما جمع الله شمله ثلاثاً وعشرين سنة. وروي عن ابن عباس أنه قال غاب يوسف عنه اثنين وعشرين سنة. وقال سعيد بن جبير ما أعطيت أمة من الأممإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ } [البقرة: 156] غير هذه الأمة. ولو كان أوتيها أحد قبلكم لأوتيها يعقوب حين قال يا أسفي على يوسف. وروي عن إبراهيم بن ميسرة أنه قال: لو أن الله أدخلني الجنة لعاتبت يوسف بما فعل بأبيه حيث لم يكتب إليه ولم يعلمه حاله ليسكن ما به من الغم.