الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } * { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } * { وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } * { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ }

قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى } يعني أجعله في خاصة نفسي. فلما خرج يوسف من السجن ودع أهل السجن ودعا لهم. وقال اللهم اعطف قلوب الصالحين عليهم ولا تستر الأخبار عنهم، فمن ثمة تقع الأخبار عند أهل السجن قبل أن تقع عند عامة الناس. ولما دخل يوسف على الملك وكان الملك يتكلم سبعين لساناً فأجابه يوسف بذلك كله. ثم تكلم يوسف بالعبرانية فلم يحسنها الملك. فقال ما هذا اللسان يا يوسف؟ قال هذا لسان آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب - عليهم السلام - ثم كلمه بالعربية فلم يحسنها الملك. فقال ما هذا اللسان؟ فقال لسان عمي إسماعيل { فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } أي قال له الملك، مكين في المنزلة أمين على ما وكلتك. { قَالَ } له يوسف - عليه السلام - { ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَائِنِ ٱلأرْضِ } يعني على خراج مصر { إِنّى حَفِيظٌ } للتدبير. ويقال حفيظ بما وكلت به { عَلِيمٌ } بجميع الألسن ويقال عليم بأخذها ووضعها مواضعها. وإنما سأل ذلك صلاحاً للخلق لأنه علم أنه ليس أحد يقوم بإصلاح ذلك الأمر مثله. ويقال حفيظ. يعني عليماً بساعة الجوع. وكان الملك يأكل في كل يوم نصف النهار، فلما كانت الليلة التى قضى الله بالقحط أمر يوسف بأن يتخذ طعام الملك بالليل. فلما أصبح الملك قال الجوع الجوع فأتى بطعام مهييء. قال وما يدريكم بذلك؟ قالوا أمرنا بذلك يوسف. ففوض الملك أموره كلها إلى يوسف وهو قوله تعالى { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ } يعني صنعنا ليوسف { فِى ٱلأَرْضِ } يعني أرض مصر { يَتَبَوَّأُ مِنْهَا } يعني ينزل منها { حَيْثُ يَشَاءُ } قرأ إبن كثير (حَيْثُ نَشَاءُ) بالنون يعني حيث يشاء الله. وقرأ الباقون بالياء حيث يشاء يوسف. { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ } نختص بنعمتنا، النبوة والإسلام والنجاة من نشاء { وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } يعني: لا نبطل ثواب الموحدين حتى نوفيه جزاءه في الدنيا ومع ذلك له ثواب في الآخرة فذلك قوله تعالى { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ } يعني ثواب الآخرة أفضل مما أعطي في الدنيا { لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي صدقوا بوحدانية الله تعالى { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } الشرك. وروي في الخبر أن زوج زليخا مات وبقيت امرأته زليخا فجلست يوماً على الطريق فمر عليها يوسف في حشمه. فقالت زليخا الحمد لله الذي جعل العبد ملكاً بطاعته وجعل الملك مملوكاً بشهوته وتزوجها يوسف فوجدها عذراء وأخبرت أن زوجها كان عنيناً لم يصل إليها. ثم وقع القحط بالناس. حتى أكلوا جميع ما في أيديهم واحتاجوا إلى ما عند يوسف وقد كان يوسف جمع في وقت الخصب مقدار ما يكفي السنين المجدبة للأكل والبيع فجعل الناس يعطونه أموالهم، العروض والرقيق والعقار وغير ذلك ويأخذون منه الطعام.

السابقالتالي
2