ثم قال تعالى { وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِى مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ } يعني لو طردتهم فيعذبني الله بذلك فمن يمنعني من عذاب الله إن طردتهم عن مجلسي { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أي أفلا تتعظون ولا تفهمون أن من (آمن) بالله لا يطرد ثم قال { وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ ٱللَّهِ } يعني مفاتيح الله في الرزق { وَلا أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } أن الله يهديكم أم لا. ويقال { وَلا أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } يعني علم ما غاب عني { وَلا أَقُولُ إِنّى مَلَكٌ } من (الملائكة) { وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِى أَعْيُنُكُمْ } يعني: تحتقر أعينكم من السفلة { لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْرًا } يعني لا أقول إن الله تعالى لا يكرم بالإيمان ولا يهدي من هو حقير في أعينكم ولكن الله يهدي من يشاء. ثم قال { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِى أَنفُسِهِمْ } يعني بما في قلوبهم من التصديق والمعرفة { إِنّى إِذًا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يعني إن طردتهم فلم أقبل منهم الإيمان بسبب ما لم أعلم ما في قلوبهم كنت ظالماً على نفسي. فعجز قومه عن جوابه. { قَالُواْ يَا نُوحٌ قَدْ جَادَلْتَنَا } قال مقاتل: ماريتنا { فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا } يعني مرانا. وقال الكلبي: دعوتنا فأكثرت دعاءنا. ويقال وَعظتنا فأكثرت موعظتنا { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } يعني لا نقبل موعظتك فأتنا بما تعدنا من العذاب { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } بأن العذاب نازل بنا { قَالَ } لهم نوح { إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَاءَ } إن شاء يعذبكم وإن شاء يصرفه عنكم { وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } يعني: إن أراد أن يعذبكم لا تفوتون من عذابه. ثم قال { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى } يعني دعائي وتحذيري ونصيحتي { إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ } يعني: إن أردت أن أدعوكم من الشرك إلى التوحيد والتوبة والإيمان { إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } يعني لا تنفعكم دعوتي إن أراد الله أن يضلكم عن الهدى ويترككم على الضلالة ويهلككم { هُوَ رَبُّكُمْ } يعني هو أولى بكم. ويقال هو ربكم رب واحد ليس له شريك { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يعني بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم. ثم قال تعالى { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } قَال مقاتل: الخطاب لأهل مكة. معناه أتقولون إن محمداً تقوله من ذات نفسه { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ } من ذات نفسي { فَعَلَىَّ إِجْرَامِى } يعني خطيئتي { وَأَنَاْ بَرِىءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ } يعني: من خطاياكم. وقال الكلبي: الخطاب أيضاً لقوم نوح أم يقولون: افتراه يعني: قوم نوح يقولون افتراه أي: اختلقه من تلقاء نفسه فقال لهم نوح: افتريته فعليَّ إجرامي أي: آثامي وأنا بريء مما تجرمون أي: مما تأثمون قوله تعالى: { وَأُوحِىَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءامَنَ } (قال الحسن: إن نوحاً عليه السلام لم يدع على قومه حتى نزلت هذه الآية) إنَّه لن يؤمن من قومك إلاَّ من قد آمن.