الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } * { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } * { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } * { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } * { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ } يعني ألم تخبر بالقرآن، ويقال (ألم تر) يعني ألم يبلغك الخبر، ويقال اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الإخبار، يعني اعلم واعتبر بصنيع ربك { كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ } يعني كيف عذب ربك { بِأَصْحَـٰبِ ٱلْفِيلِ } وكان بدء أصحاب الفيل ما ذكرناه في سورة البروج أن زرعة قتل المسلمين بالنار فهرب رجل منهم إلى ملك الحبشة وأخبره بذلك فبعث ملك الحبشة جيشاً إلى أرض اليمن فأمَّر عليهم أرياطاً ومعه في جنده أبرهة الأشرم فركب البحر بمن معه حتى أتوا ساحلاً مما يلي أرض اليمن فدخلوها ومع أرياط سبعون ألفاً من الحبشة وهزم جنود زرعة وألقى زرعة نفسه في الماء فهلك وأقام أرياط باليمن سنين في سلطانه ذلك ثم نازعه في أمر الحبشة أبرهة وكان من أصحابه ممن وجّهه معه النجاشي إلى اليمن وخالفه أبرهة وتفرق الجند في أرض اليمن وصار إلى كل واحد منهما طائفة منهم ثم خرجوا للقتال فلما تقارب الناس ودنا بعضهم من بعض أرسل أبرهة إلى أرياط أن لا تصنع شيئاً بأن تلقي الحبشة بعضها في بعض حتى تفنيها فأبرز لي وأبرز لك فأينا أصاب صاحبه انصرف إلى جنده فأرسل إليه أرياط أن قد أنصفت فاخرج فخرج إليه أبرهة وكان رجلاً قصيراً وخرج إليه أرياط وكان رجلاً طويلاً عظيماً في يده حربة وخلف أبرهة عبداً يقال له عنودة وروي عن بعضهم عيودة بالياء فلما دنا أحدهما من صاحبه رفع أرياط الحربة فضرب بها على رأس أبرهة يريد يافوخة فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فخدشت حاجبيه وعينه وأنفه وشفتيه فلذلك سمي أبرهة الأشرم. وحمل عيودة على أرياط من خلف أبرهة فقتل أرياط وانصرف جند أرياط إلى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة باليمن وكل ما صنع أبرهة من غير علم النجاشي ملك الحبشة فلما بلغه ذلك غضب غضباً شديداً وقال عدا على أميري فقتله بغير أمري ثم حلف أن لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته، فلما بلغ ذلك أبرهة حلق رأسه وملأ جراباً من تراب أرض اليمن ثم بعث إلى النجاشي وكتب إليه أيها الملك إنما كان أرياط عبدُك وأنا عبدك واختلفنا في أمرك وكل طاعة لك إلا أني قد كنت أقوى على أمر الجيش منه وأضبط له، وقد حلقت رأسي حين بلغني قسم الملك وبعثت إليه بجراب من تراب أرضي ليضعه تحت قدميه فيبر قسمه فلما وصل كتاب أبرهة إلى النجاشي رضي عنه وكتب إليه أن أثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري وقال أبرهة لعتودة حين قتل أرياط حكمك يعني أحكم عليّ بما شئت فقال حكمي أن لا تدخل عروس من نساء أهل اليمن على زوجها حتى أصيبها قبله، قال ذلك لك فأقام أبرهة باليمن وغلامه عنودة يصنع باليمن ما كان أعطاه في حكمه ثم عدل عليه رجل من حمير أو من خَثْعم فقتله فلما بلغ أبرهة قتله وكان أبرهة رجلاً حليماً ودعا في دينه من النصرانية فقال قد آن لكم يا أهل اليمن أن يكون منكم رجل حازم يأنف مما يأنف منه الرجال إني والله لو علمت حين حكمته أنه يسأل من الذي سأل ما حكمته وأيم الله لا يؤخذ منكم فيه عقل ولا قود.

السابقالتالي
2 3 4 5