الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } * { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ }

قوله تعالى: { فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } من القرآن { فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءونَ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكَ } يعني مؤمني أهل التوراة. وذلك أن كفار قريش قالوا إن هذا الوحي يلقيه إليه الشيطان. فأنزل الله تعالى { فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } فسيخبرونك أنه مكتوب عندهم في التوراة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا أسأل أحداً ولا أشك فيه. بل أشهد أنه الحق " ، وقال القتبي فيه تأويلان. أحدهما أن تكون المخاطبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد فيه غيره من الشكاك لأن القرآن أنزل عليه بمذاهب العرب وهم يخاطبون الرجل بشيء ويريدون به غيره كما قالوا " إيَّاك أعني واسمعي يا جارة " وكقولهيأَيُّهَا ٱلنَّبِىِّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَـٰفِرِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } [الأحزاب: 1] أراد به الأمة يدل عليه قوله تعالى في آخرهإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } [النساء: 94]. وكقولهوَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف: 45]. ووجه آخر، إن الناس كانوا على ثلاث مراتب. منهم من كان مؤمناً ومنهم من كان كافراً ومنهم من كان شاكاً. وإنّما خاطب بهذا الشاك. ثم قال { لَقَدْ جَاءكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ } يعني القرآن { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } يعني من الشاكين { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } يعني بالكتاب (وبالرسالات) { فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } يعني من المغبونين. قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ } يعني وجبت عليهم كلمة ربك بالسخط وقدر عليهم الكفر { لاَ يُؤْمِنُونَ } يعني لا يصدقون بالقرآن انه من الله تعالى { وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ ءايَةٍ } يعني: علامة { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلألِيمَ } يعني الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة، قرأ نافع وابن عامر " كَلِمَاتُ رَبِّكَ " وقرأ الباقون " كَلِمةُ رَبِّكَ " قوله تعالى: { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ } يقول لم يكن أهل قرية كافرة آمنت عند نزول العذاب { فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا } وقبل منها الإيمان ودفع عنهم العذاب { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } قال مقاتل: فلولا على ثلاثة أوجه الأول يعني فلم. مثل قوله { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ } { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ }. الثاني: فلولا يعني فهلا، كقولهفَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا } [الأنعام: 43]فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } [الواقعة: 86] والثالث: فلولا يعني فلوما. كقولهوَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } [النساء: 83]فَلَوْلاَ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } [الصافات: 143]. ويقال فلولا ها هنا بمعنى فهلا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها. ومعناه فهلا آمنت في وقت ينفعها إيمانها. فأعلم الله تعالى أن الإيمان لا ينفع عند نزول العذاب، ثم قال { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } معناه لكن قوم يونس { لَمَّا ءامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ } يعني إنهم آمنوا قبل المعاينة فكشفنا عنهم وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا } كما نفع قوم يونس، وعن قتادة إنَّ قوم يونس عليه السلام خرجوا ونزلوا على تل فدعوا الله تعالى أربعين ليلة حتى تاب الله عليهم.

السابقالتالي
2