الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } * { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }

ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً } يقول: لا ينقص من (أجور) الناس شيئاً ولا يحمل عليهم من أوزار غيرهم { وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } يعني يضرون أنفسهم بتركهم الحق. قرأ حمزة والكسائي وَلَكِنِ النَّاسُ بكسر النون مع التخفيف وضم السين. وقرأ الباقون ولكنَّ النَّاسَ بالنصب والتشديد ونصب السين قوله تعالى: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } يقول: يجمعهم في الآخرة { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّنَ ٱلنَّهَارِ } قال الكلبي: كأن لم يلبثوا في قبورهم إلاّ ساعة من النهار، وقال الضحاك كأن لم يلبثوا في القبور إلا ما بين العصر إلى غروب الشمس أو ما بين صلاة الغداة إلى طلوع الشمس. ويقال يعني بين النفختين، لأنه يرفع عنهم العذاب فيما بين ذلك. وقال مقاتل: كأن لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من النهار { يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } قال الكلبي يعني: يتعارفون بينهم حين خرجوا من قبورهم ثم تنقطع عنهم المعرفة فلا يعرف أحد أحداً. وقال الضحاك: يتعارفون بينهم حين خرجوا. وذلك أن أهل الإيمان يبعثون يوم القيامة على ما كانوا عليه في [دار] الدنيا من التواصل والتراحم، يعرف بعضهم بعضاً محسنهم لمسيئهم. وأما أهل الشرك فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون. قال الله تعالى { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاءِ ٱللَّهِ } يعني بالبعث بعد الموت { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } يقول لم يكونوا مؤمنين في الدنيا قال تعالى { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ } من العذاب { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } قبل أن نرينك { فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } مصيرهم في الآخرة، وروي عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما. أنهما قالا: أخبر الله تعالى نبيه أن يستخلف أمته من بعده { ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ } في الآخرة { عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ } في الدنيا من الكفر والتكذيب. قوله تعالى: { وَلِكُلّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ } يعني لأهل كل دين رسول أتاهم { فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ } يعني فأبلغهم فكذبوه { قُضِىَ بَيْنَهُمْ } وبين رسولهم { بِٱلْقِسْطِ } يعني بالعدل { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } يعني: لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئاً. وقال مجاهد: فإذا جاء رسولهم يعني يوم القيامة قضي بينهم بالعدل وهم لا يظلمون. قوله تعالى: { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } وهو قوله تعالى { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ } { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أن العذاب ينزل بنا { قُلْ } يا محمد { لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرّاً وَلاَ نَفْعًا } يعني ليس في يدي دفع مضرة ولا جر منفعة { إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ } أن يقويني عليه، قال مقاتل: معناه قل لا أملك لنفسي أن أدفع عنها (سوءاً) حين ينزل، ولا أن أسوق إليها خيراً إلا ما شاء الله فيصيبني، فكيف أملك (نزول) العذاب بكم وقال القتبي: " الضُّر " بضم الضاد الشدة والبلاء. كقولهوَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ } [الأنعام: 17] وكقولهثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ } [النحل: 54] " والضُّر " بفتح الضاد ضد النفع ومنه قوله تعالىقُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا } [يونس: 49] يعني: قل لا أملك جر نفع ولا دفع ضَرٍّ. ثم قال { لِكُلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } وقته فِي العذاب. ويقال لكل أمة أجل. يعني: مهلة، ويقال أجل الموت. { إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ } وقتهم بالعذاب { فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } يعني لا يتأخرون (عنه ساعة) ولا يتقدمون عنه ساعة فكذلك هذه الأمة إذا نزل بهم العذاب لا يتأخر عنهم ساعة.