الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } وقد ذكرناه ثم قال { يُدَبّرُ ٱلأمْرَ } يعني يقضي القضاء وينظر في تدبير الخلق. وروى الأعمش عن عمرو بن مرة عن ابن سابق قال: يدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل وميكاييل وملك الموت وإسرافيل. أما جبريل فعلى الرياح والوحي والجنود، وأما ميكاييل فعلى النبات والمطر، وأما ملك الموت فعلى الأنفس، وأما إسرافيل فينزل إليهم بما يؤمرون { مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ } لأن الكفار كانوا يعبدون الأصنام ويقولون هم شفعاؤنا عند الله. وبعضهم كانوا يعبدون الملائكة. فأخبر الله تعالى أنه لا شفاعة لأحد إلاَّ بإِذن الله تعالى. ويقال: ما من شفيع إلا من بعد إذنه يعني لا يشفع أحد لأحد يوم القيامة من الملائكة ولا من المرسلين إلا من بعد إذنه في الشفاعة لهم { ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ رَبُّـكُمْ } يعني الذي يفعل هذا من خلق السموات والأرض وتدبير الخلق هو ربكم وخالقكم { فَٱعْبُدُوهُ } فدل أولاً على وحدانيته [وتدبيره] ثم أمرهم بالتوحيد والطاعة فقال { فَٱعْبُدُوهُ } يعني وحدوه وأطيعوه { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } يعني أفلا تتعظون بالقرآن. ويقال أفلا تتعظون بأن لا تعبدوا من لا يملك شيئاً وتعبدون من يملك الدنيا وما فيها. قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص تَذَكَّرُونَ بالتخفيف. وقرأ الباقون بالتشديد، لأن أصله تتذكرون فأدغم إحدى التاءين في الذال وأقيم التشديد مقامه. ثم خوفهم فقال { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } يعني مرجع الخلائق كلهم يوم القيامة { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } يعني البعث كائناً وصدقاً. وقال الزجاج: { وَعَدَ ٱللَّهُ } صار نصباً على معنى وعدكم الله وعداً، لأن قوله إليه مرجعكم معناه الوعد بالرجوع { إِنَّهُ يَبْدَؤُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } قال أهل اللغة الياء صلة ومعناه إنه بدأ الخلق ثم يعيده يعني خلق الخلق في الدنيا ثم يحييهم بعد الموت يوم القيامة { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } يعني لكي يثبت الذين آمنوا بالبعث [بعد الموت] { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ } يعني عملوا الطاعات بالعدل. وقال الضحاك: يعني الذين قاموا بالعدل وأقاموا على توحيده، يعطيهم من رياض الجنة حتى يرضوا { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني ويجزي الذين كفروا. ثم بين جزاءهم فقال { لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ } يعني ماءً حاراً قد انتهى حره { وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } يعني يجحدون الرسالة والكتاب. ثم ذكَّرهم النعم لكي يستحيوا منه ولا يعبدوا غيره فقال تعالى { هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاءً } بالنهار { وَٱلْقَمَرَ نُوراً } بالليل. ويقال جعل الشمس ضياء مع الحر والقمر نوراً بلا حر { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } يعني جعل الليل والنهار منازل، يزيد أحدهما وينقص الآخر ولا يجاوزان المقدار الذي قدره ويقال قدره يعني القمر منازل كل ليلة بمنزلة من النجوم وهي ثمانية وعشرون منزلاً في كل شهر. وهذا كقولهوَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَـٰهُ مَنَازِلَ } [يس: 39] { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } يعني لتعلموا بالقمر حساب السنين والشهور، كقوله تعالىيَسْألُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ } [البقرة: 189]. ثم قال { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } يعني لتعلموا عدد السنين والحساب وتعتبروا وتعلموا أن له خالقاً ومدبراً وهو قادر على أن يحيي الموتى. ثم قال { يُفَصِّلُ ٱلآيَـٰتِ } يعني يبين العلامات يعني علامة وحدانيته { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } يعني: لمن كان له عقل وذهن وتمييز. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص يُفَصّلُ الآيات بالياء. وقرأ الباقون بالنون ومعناهما قريب.