الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

ثم قال عز وجل { قُلْ يٰ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } يعني: يا أهل مكة وذلك حين دعوه إلى دين (آبائهم) فقال { إِن كُنتُمْ فِى شَكّ مّن دِينِى } (الإسلام)، وترجون أن أرجع إلى دينكم وأترك هذا الدين فلا أفعل ذلك وهو قوله { فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } من الآلهة. ويقال معناه إن كنتم في شك من ديني فأنا مستيقن في دينكم ومعبودكم أنهما باطلان { فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } { وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ } يعني أوحده وأطيعه { ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم } يعني: يميتكم عند انقضاء آجالكم { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني من (الموقنين) على دينهم ولا أرجع عن ذلك. قوله تعالى: { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ } يعني إنَّ الله تعالى قال لي في القرآن أن أخلص عملك ودينك { لِلدّينِ حَنِيفاً } يعني استقم على التوحيد مخلصاً { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } أو يقال " وأمرت أن أكون من المسلمين " إلى ها هنا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول ذلك للكفار وقد تم الكلام إلى هذا الموضع ثم قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا أمرتك { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفًا } يعني وأمرتك أن تخلص عملك ودينك للدين حنيفاً. يعني استقم على ذلك. والحنف في اللغة هو الميل والإقبال إلى شيء لا يرجع عنه أبداً. لهذا سمي الرجل أحنف إذا كان أصابع رجليه مائلاً بعضها إلى بعض. ثم قال تعالى: { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني: لا تعبد غير الله { مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ } يعني ما لا ينفعك إن عبدته ولا يضرك إن عصيته وتركت عبادته { فَإِن فَعَلْتَ } ذلك يعني فإن عبدت غير الله { فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يعني من الضارين بنفسك. قوله تعالى: { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ } يعني: إن يصيبك الله بشدة أو بلاء { فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ } يعني لا دافع لذلك الضر إلا هو يعني لا تقدر الأصنام على دفع الضر عنك { وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ } يعني وإن يصيبك بسعة في الرزق وصحة في الجسم { فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ } يعني: لا مانع لعطائه { يُصِيبُ بِهِ } يعني: بالفضل { مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } من كان أهلاً لذلك { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ } لذنوب المؤمنين { ٱلرَّحِيمُ } بهم. فأعلم الله تعالى أنه كاشف الضر ومعطي الفضل في الدنيا وهو الغفور للمؤمنين الرحيم بقبول حسناتهم. [ (قال الفقيه أبو الليث) ] حدثنا محمد بن الفضل قال: حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا شيخ بصري عن الحسن أنه قال: قال عامر بن عبد قيس ما أبالي ما أصابني من الدنيا وما فاتني منها بعد ثلاث آيات ذكرهن الله تعالى في كتابه. قوله { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ } وقولهمَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } [فاطر: 2] وقولهوَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [هود: 6].