الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } * { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } * { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى ٱلأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً } يعني وفقهم لذلك وهداهم. ويقال في الآية مضمر ومعناه ولو شاء ربك أن يؤمنوا لآمنوا كلهم جميعاً { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ } يعني الكفار { حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } ويقال هو عمه أبو طالب. ولها وجه آخر. ولو شاء ربك لأراهم علامة لضطروا إلى الإيمان كما فعل بقوم يونس، ولكن لم يفعل ذلك لأن الدنيا دار ابتلاء ومحنة. ثم قال تعالى { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } يعني بإِرادة الله تعالى وتوفيقه { وَيَجْعَلُ ٱلرّجْسَ } يعني: الكفر { عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } يعني: يترك حلاوة الكفر في قلوب الذين لا يرغبون في الإيمان. ويقال ويجعل الرجس يعني الاثم ويقال الرجس يعني: العذاب. قرأ عاصم في رواية أبي بكر " وَنَجْعَلُ الرِّجْسَ " بالنون وقرأ الباقون: ويجعل بالياء. ثمّ أخبر أنه لا عذر لمن تخلف عن الإيمان لأنه قد بين العلامات وهو قوله { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ } من الدلائل من الشمس والقمر والنجوم { وَ } ما في { ٱلأْرْضِ } من الجبال والبحار والأشجار والثمار فاعتبروا (به) ثم قال حين لم يعتبروا به { وَمَا تُغْنِى ٱلآيَـٰتُ } ما تنفع العلامات التي في السموات والأرض { وَٱلنُّذُرُ } يعني: الرسل { عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } يعني: لا يرغبون في الإيمان ولا يطلبون الحق. وقال أبو العالية لا تنفع الآيات والرسل عن قوم قد قدر عليهم أنهم لا يؤمنون. ويقال " عَنْ " ها هنا صلة ومعناه وما تغني الآيات والنذر قوماً لا يؤمنون يعني علم الله (في الأزل) أنهم لا يؤمنون. ثم خوفهم فقال تعالى { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ } يعني أن يصيبهم العذاب مثل ما أصاب الأمم الخالية { قُلْ فَٱنْتَظِرُواْ } يعين انتظروا العذاب { إِنّى مَعَكُم مّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ } ويقال انتظروا لهلاكي فإني معكم من المنتظرين بهلاككم. قوله تعالى: { ثُمَّ نُنَجّى رُسُلَنَا } يعني أنجيناهم من العذاب والهلاك { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } معهم. انصرف هذا إلى قوله { مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ ثُمَّ نُنَجّى رُسُلَنَا } ، يعني أنجيناهم من العذاب والذين آمنوا يعني أنجيناهم معهم، ومعناه إذا جاءهم العذاب ينجي الله تعالى محمداً - صلى الله عليه وسلم - ومن آمن معه كما أنجى سائر الرسل والذين آمنوا معهم { كَذَلِكَ حَقّا عَلَيْنَا } يعني: هكذا واجب علينا { نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } من العذاب، قرأ الكسائي وعاصم في رواية حفص " ثُمَّ نُنْجِي " بجزم النون وتخفيف الجيم. وقرأ الباقون " نُنَجِّي " بالنصب والتشديد. وكذلك في قوله " نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ " ومعناها واحد نجيته وأنجيته.