الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } * { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

بين الله تعالى في هذه الآيات الأعذار الشرعية المقبولة عنده وعند رسوله بالتفصيل فعلم منه بطلان ما عداها وخص بالذكر شر ما عداها وهو استئذان الأغنياء فقال: { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ }؟ الضعفاء جمع ضعيف وهو ضد القوي أي من لا قوة لهم في أبدانهم تمكنهم من الجهاد، قال ابن عباس يعني الزمنى والشيوخ والعجزة، وقيل هم الصبيان وقيل النسوان ذكره البغوي - والزمنى بوزن المرضى وبالتحريك جمع زمين كمريض - ويقال زمن (ككتف) وزمنون - وهم من أصابتهم الزمانة وهي العاهة التي لا تزول بل تبقى على الزمان ومنها الكساح (بالضم) والعمى والعرج، وقدم ذكر هؤلاء لأن عذرهم دائم لا يزول.

{ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } جمع مريض وهم الذين عرضت لهم أمراض لا يتمكنون معها من الجهاد كالحميات وعذرهم ينتهي بالشفاء منها { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ } وهم الفقراء الذين لا يجدون ما لا ينفقون منه على أنفسهم إذا خرجوا للجهاد ويتركون لعيالهم ما يكفيهم، وكان المؤمنون يجهزون أنفسهم للقتال فالفقير ينفق على نفسه والغني ينفق على نفسه وعلى غيره بقدر سعته كما فعلوا في غزوة تبوك إذا لم يكن للمسلمين بيت مال غني ينفق منه النبي صلى الله عليه وسلم على الغزاة، وهذا العذر خاص بالمال، ويزول إذا كان للأمة في بيت المال ما ينفقون منه أي ليس على هذه الأصناف الثلاثة { حَرَجٌ } أي ضيق في حكم الشرع يعدون به مذنبين ولا إثم في القعود عن الجهاد الواجب.

{ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } في حال قعودهم لعجزهم، أي إذا أخلصوا لله تعالى في الإيمان وللرسول صلى الله عليه وسلم في الطاعة وأداء الأمانة بالقول والعمل ولا سيما الذي تقتضيه حالة الحرب فالنصيحة والنصح (بالضم) تجري ما يصلح به الشيء ويكون خاليا من الغش والخلل والفساد، من قولهم نصح العسل ونصح إذا كان خالصا مصفى: " ونصح الخياط الثوب إذا أنعم خياطته ولم يترك فيه فتقا ولا خللا " ذكره في مجاز الأساس وقال: " شبه ذلك بالنصح " على طريقته في جعل المعاني الحسية من المجاز والمعنوية من الحقيقة.

ونحن نرى عكس هذا - أعني أن نصح العسل والخياط حقيقة، والنصح في التوبة والطاعة هو المأخوذ منه والأجدر بأن يكون مجازاً، إلا أن يكثر استعماله فيعد من الحقيقة، ومنه يعلم أن من النصح لله ورسوله في هذه الحالة كل ما فيه مصلحة للأمة ولا سيما المجاهدين منها من كتمان سر، وحث على بر، ومقاومة خيانة الخائنين في سر أو جهر، فالنصح العام ركن من الأركان المعنوية للإسلام به عز السلف وبزوا، وبتركه ذل الخلف وابتزوا.

السابقالتالي
2 3 4