الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

هذه الآية في بيان حال الأعراب خاصة، وهم بدو العرب الذين طلبوا الإذن بالتخلف والذين تخلفوا بغير إذن، عقب بيان حال منافقي الحضر في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيأتي آيات أخرى في منافقي الأعراب ومؤمنيهم في الآيات 97، 98، 99 قال عز وجل:

{ وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ }؟ المعذرون بالتشديد اسم فاعل من التعذير كالمقصرين من التقصير. هكذا قرأ الكلمة جمهور القراء، وقرأها يعقوب بالتخفيف من الإعذار، وروي هذا عن ابن عباس، ولكن من طريق الكلبي وكذا عن مجاهد. وقد تقدم في تفسير الآية 66 معنى العذر والاعتذار. والإعذار إبداء العذر ومنه المثل: " أعذر من أنذر " وأعذر: ثبت له عذر - وقصر ولم يبالغ وهو يرى أنه مبالغ، كأنه ضد - وكثرت ذنوبه وعيوبه، وله معان أخرى كما في القاموس [قال] وقوله تعالى: { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ }؟ بتشديد الذال المكسورة أي المعتذرون الذين لهم عذر، وقد يكون المعذر غير محق فالمعنى المقصرون بغير عذر اهـ.

وزاد شارحه: ومعنى المعذرون الذين يعتذرون كان لهم عذر أو لم يكن، وهو هاهنا شبيه بأن يكون لهم عذر، ويجوز في كلام العرب المعذرون بكسر العين المهملة الذين يعذرون: يوهمون إن لهم عذراً ولا عذر لهم. قال أبو بكر ففي المعذرين وجهان، إذا كان المعذرون من عذر الرجل فهو معذر فهم لا عذر لهم، وإذا كان المعذرون أصله المعتذرون فألقيت فتحة التاء على العين وأبدل منها ذال وأدغمت في الذال التي بعدها فلهم عذر. وقال أبو الهيثم في تفسير الآية: معناه المعتذرون يقال: عذرٍ عذارا في معنى اعتذر، ويجوز عذَّر الرجل يعذر عذارا فهو معذر. قال ومثله: هدَّى يهدي هداء إذا اهتدى. قال اللهأَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ } [يونس: 35] اهـ.

وقد أطال ابن منظور في الكلام على المادة والمراد منها في الآية.

والحكمة في القراءتين على اختلاف معاني الصيغتين بيان اختلاف أحوال أولئك الأعراب في أعذارهم، فمنهم من له عذر صحيح هو موقن به، ومن له عذر صوري لا حقيقي وهو يوهم أنه حقيقي عالما بأنه مخادع، ومنهم من له عذر ضعيف هو في شك منه إن نوقش فيه عجز عن إثباته، ومنهم من لا عذر له في الواقع فهو كاذب في انتحاله، وهذا من إيجاز القرآن العجيب بالإتيان بلفظ مفرد يتناول هذه الأقسام كلها، مبهمة إلا عند أهلها، للحكمة الآتية المقتضية لإبهامها.

والمعنى: وجاء الذين يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم إن يأذن لهم في التخلف عن الخروج إلى تبوك أمتثالا للنفير العام، من أولي التعذير والإعذار، قال الضحاك هم رهط عامر بن الطفيل جاؤا رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعا عن أنفسهم فقالوا يا نبي الله إن نحن غزونا معك تُغِير أعراب طيء على حلائلنا وأولادنا ومواشينا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2