الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } * { لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

هذا بيان لحالة المنافقين العامة في أمر الجهاد بالمال والنفس، الذي هو أقوى آيات الإيمان بالله ورسوله وما جاء به، وما يقابله من حال المؤمنين الصادقين فيه، وما بين الحالين من التضاد في العمل والأثر في القلب اللذين هما مناط الجزاء، قال تعالى: { وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ }؟ شرطية إذا في هذا المقام تفيد التكرار، والآية معطوفة على ما قبلها من خبر المنافقين الذين تخلفوا عن الجهاد، للجمع بين تلك الحال الخاصة، وهذه الشنشنة العامة، والمعنى أنه كلما نزلت سورة تدعو الناس أو المنافقين ببعض آياتها إلى الإيمان بالله والجهاد مع رسوله الله صلى الله عليه وسلم أي ناطقة بأن آمنوا وجاهدوا.

{ ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ } الطول بالفتح يطلق على الغنى والثروة، وعلى الفضل والمنة، وهو من مادة الطول (بالضم) ضد القصر. والمراد بهم هنا أولوا المقدرة على الجهاد المفروض بأموالهم وأنفسهم، أي أستأذنوك بالتخلف عن الجهاد { وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ } أي دعنا نكن مع القاعدين في بيوتهم من الضعفاء والزمنى العاجزين عن القتال، والصبيان والنساء غير المخاطبين به.

وفي معنى الآية قوله تعالى في سورة القتال - أو محمدوَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } [محمد: 20-21] والآيات دليل على جبن المنافقين وضعفاء الإيمان، ورضاهم لأنفسهم بالذل والهوان.

{ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ }؟ رضوا لأنفسهم بأن يكونوا مع الخوالف من النساء - وروي هذا عن ابن عباس وقتادة - ومن لا خير فيهم من أهل الفساد، فهو جمع خالفة وتقدم بيان ما قاله علماء اللغة في تفسير { فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ } من آية (83) { وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } الطبع على القلوب والختم عليها عبارة عن عدم قبولها لشيء جديد من العلم والموعظة غير ما استقر فيها واستحوذ عليها، وصار وصفا ووجدانا لها، وقد بينا الاستعمال اللغوي حقيقته ومجازه للكلمة في تفسيرخَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ } [البقرة: 7] وفي مواضع أخرى من سورة النساء والأعراف.

{ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } أي فلأجل ذلك هم لا يفهمون ما يخاطبون به فهم تدبر واعتبار فيعملوا به، وقد بينا حقيقة معنى الفقه في مواضع أبسطها تفسيرلَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } [الأعراف: 179] من سورة الأعراف، وفيه تحقيق معنى القلب.

{ لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } هذا استدراك على قعود المنافقين عن الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم عملا بداعي الإيمان، وأمر الله في القرآن، لأن ما جروا عليه من النفاق قد طبع على قلوبهم بمقتضى سنة الله تعالى في التأثير والارتباط بين العقائد والأعمال، والفعل والانفعال، فهم لا يفقهون ما أمروا به فيعملوا به، لكن الرسول والذين آمنوا به وكانوا معه في كل أمور الدين لا يفارقونه، قد جاهدوا بأموالهم وأنفسهم فقاموا بالواجب خير قيام، كما يقتضيه الإيمان والإسلام، وما كان أولئك المنافقون الجبناء البخلاء، بأهل للقيام بهذه الأعباء، كما تقدم فيما وصفوا به من الآيات، ولا سيما آية

السابقالتالي
2