الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } * { وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ }

هذا بيان ما شرعه الله تعالى في شأن من يموت من هؤلاء المنافقين في إثر ما شرعه في شأن الأحياء منهم، وهو كسابقه خاص بمن نزلت فيهم الآيات وهم الذين ثبتت أدلة كفرهم، أو إعلامه تعالى لرسوله بحقيقة أمرهم، وفي مقدمتهم زعيمهم الأكبر الأكفر عبد الله بن أبي بن سلول والاثنى عشر الذين أرادوا اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم قال عز وجل:

{ وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ } أي لا تصل أيها الرسول بعد الآن على أحد مات من هؤلاء المنافقين الذين عرفناك شأنهم صلاة الجنازة أبداً ما حييت - ولا تقف على قبره عند الدفن للدعاء له بالتثبيت، كما تقوم على قبور المؤمنين عند دفنهم، ويلزم هذا النهي عدم تشييع جنائزهم. روى أبو داود والحاكم وصححه والبزار من حديث عثمان رضي الله عنه قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: " استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل " وقد نص الفقهاء على العمل بهذا الحديث، ولا نعرف شيئاً من السنة في معنى القيام على القبر غيره فانتظار الدفن أعم منه، وأدخل فيه بعضهم زيارة القبور وهو غير ظاهر فقد ورد في زيارة القبور أحاديث متعددة بلفظ الزيارة لا بلفظ القيام.

وقد علل تعالى هذا النهي ببيان مستأنف فقال: { إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } أي أنهم كفروا وماتوا وهم فاسقون أي وهم في حال خروجهم السابق من حظيرة الإيمان، كما تقدم في تفسير مثله من هذا السياق (والجملة الحالية تدل على وقوع مضمونها قبل حدوث العامل فيها) والنهي يتعلق بالحال والاستقبال، ولا سيما إذا أكد بكلمة أبداً التي هي نص في معنى الاستقبال، ولكن قال في تعليل النهي (وماتوا) وهو فعل ماض، والقاعدة في التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي أن يكون لتأكيده وتحققه حتى كأنه وقع بالفعل، أي وسيموتون وهم متلبسون بكفرهم، ولعل فيه إشارة إلى ما روي في سبب نزول الآية وهو صلاته صلوات الله عليه على عبد الله بن أبيّ، فيكون المعنى ومات من مات منهم على كفره وسيموت الآخرون كذلك، وفيه بحث نبينه بعد إجمال الكلام على قوله.

{ وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ } قد تقدم مثل هذا بنصه وهو الآية 55 من هذه السورة إلا أنه قال فيها (ولا أولادهم) وتفسيرهما واحد إلا أن زيادة: " لا " في تلك الآية للنهي عن الإعجاب بكل من أموالهم وأولادهم على حدته، وهو يصدق بمن كان له إحدى الزينتين، والنهي في هذه عن الإعجاب بهما مجتمعين، وهو أدعى إلى الإعجاب، وأعيد هذا النهي هنا لاقتضاء المقام له كاقتضائه هناك التأثير الذي يكون له في نفس التالي والسامع، ولأن السياق هنا في طائفة منهم غير الطائفة التي جاءت في السياق الأول.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7