الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

هذا بيان لحال أولئك المنافقين في جملتهم مع المؤمنين في جملتهم فيما كان من أمرهم في الصدقات للجهاد، إذ لم يقف المنافقون عند حد بخلهم وتخلفهم، بل تعدوه إلى لمز المؤمنين وذمهم، بما بذله غنيهم وفقيرهم، ولحكم من تردوا في هذه الهاوية من النفاق، وهو أنه لم يعد لهم أدنى حظ من التلبس بالإسلام ولا أدنى نفع من استغفار الرسول ودعائه لهم، لرسوخهم في الكفر بالله ورسوله وعدم الرجاء في إيمانهم، قال عز وجل:

{ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ } أي أولئك هم الذين يلمزون المتطوعين من المؤمنين ويعيبونهم في أمر الصدقات التي هي أظهر آيات الإيمان - أو أعني بما ذكر من الذم الذين يلمزون المطوعين ويذمونهم في أخص فضائلهم التي تجرد أولئك المنافقون منها. فأصل: " المطوعين " المتطوعين أدغمت التاء في الطاء فهي كالمطهرين بتشديد الطاء والمتطهرين.

والتطوع في العبادة ما زاد على الفريضة، والصدقات جمع صدقة تطلق على الأنواع والأفراد منها. وقوله: " في الصدقات " كقولهوَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } [التوبة: 58] ولكن اللمز هنالك في قسمتها وهاهنا في صفة أدائها ومقدارها والنية فيها كما يذكر في سبب النزول قريباً.

وقال المفسرون أنه متعلق بيلمزون ولا يجوز تعلقه بالمطوعين للفصل بكونهم من المؤمنين، وهذا الفصل ليس بأجنبي بل هو بيان للمطوعين، ولكن التطوع واللمز كلاهما يتعديان بالباء لا بفي فلا بد من التقدير كما فعلنا. والمتطوعون والمطوعة يطلق على الذين يتبرعون بالجهاد والغزو من تلقاء أنفسهم بدون إن يدعوهم الإمام أو السلطان لذلك بالتعيين وتكون نفقتهم من بيت المال، هذا هو المعنى الاصطلاحي، والمتطوعون بالحرب في هذا العصر تتولى نفقتهم إدارة العسكر من مال الحكومة إذ لا يمكنهم في النظام العسكري الحديث أن يتولوا أمر النفقة على أنفسهم.

والتطوع في أصل اللغة تكلف الطاعة أو الإتيان بما في الطوع من العمل، وقد يطلق في اللغة على ما يعم الواجب كما قيل في تفسير آية السعي بين الصفا والمروةوَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 158] واستعمل في القرآن والحديث بمعنى النفل أي الزيادة على الواجب. قال تعالى في آيات الصياموَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة: 184] أي فمن زاد في الفدية على طعام مسكين واحد أو في الصيام على شهر رمضان فهو خير له، وفي حديث الأعرابي المستفيض في كتب الفقه " أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر له الصلوات الخمس وصيام رمضان وشرائع الإسلام وسأله هل عليه غيرها؟ قال له صلى الله عليه وسلم: " لا، إلا أن تطوع "

السابقالتالي
2 3 4 5