الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

هاتان الآيتان تهديد للمنافقين، وإنذار لهم بالجهاد كالكفار المجاهرين، إذا استرسلوا بهذه الجرأة في إظهار ما ينافي الإيمان والإسلام، من الأقوال والأفعال، كالقول الذي أنكروه بعد أن أظهره الله عليه وكذَّبَهُم الله تعالى في إنكارهم، أو بجهاد دون جهاد الكفار المحاربين، وأقله ألا يعاملوا بعد هذا الأمر كمعاملة المؤمنين الصادقين، وأن يقابلوا بالغلظة والتجهم لا بالطلاقة والبشر واللين، وغير ذلك مما يأتي بيانه في هذه السورة قال عز وجل:

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } أي ابذل جهدك في مقاومة الفريقين الذين يعيشون مع المؤمنين بمثل ما يبذلون من جهدهم في عداوتك، وعاملهم بالغلظة والشدة الموافقة لسوء حالهم، وقدم ذكر الكفار في جهاد الدنيا لأنهم المستحقون له بإظهارهم لعداوتهم له صلى الله عليه وسلم ولما جاء به، والمنافقون يخفون كفرهم وعداءهم ويظهرون الإسلام فيعاملون معاملة المسلمين في الدنيا، وقدم ذكر المنافقين في جزاء الآخرة لأن كفرهم أشد، وعذرهم فيه أضعف، وقد تقدم تفسير الجهاد بمعناه العام المستعمل في القرآن وبمعناه الخاص بالقتال في مواضع أجمعها الاستطراد الذي كتبناه في آخر آية الجزية (ج 10) وفيها أن الجهاد مشاركة من الجهد وهو الطاقة والمشقة كالقتال من القتل، وأنه حسي ومعنوي، وقولي وفعلي، واتفق علماء الملة على إن المنافقين يعاملون بأحكام الشريعة كالمسلمين الصادقين، فلا يقاتلون إلا إذا أظهروا الكفر البواح بالردة، أو بغوا على جماعة المسلمين بالقوة، أو امتنع بعض طوائفهم من إقامة شعائر الإسلام وأركانه.

وروي في تفسير الآية المأثور عن ابن عباس رضي الله عنه قال: جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين باللسان، ففسر الكفار هنا بالحربيين، وسيأتي من جهاد المنافقين حرمانهم من الخروج والقتال مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن صلاته على جنائزهم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال لما نزلت: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } أمر رسول الله أن يجاهد بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فإن لم يستطع فليلقه بوجه مكفهر، فقوله: " فليلقه " يفهم منه إن هذا في جهاد الأفراد بالمعاملة، لا في جهاد الجماعات بالمقاتلة، فهو إذا بمعنى إزالة المنكر في قوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " رواه الجماعة - إلا البخاري - من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وزاد ابن مسعود لقاء الكافر أو المنافق بوجه مكفهر أي عبوس مقطب، ولكن لا يظهر جعله دون كراهة القلب، ولا إن كراهة القلب لا تستطاع، ولم نقف على سند هذا الحديث فنعرف مكانه من الصحة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8