الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

هاتان الآيتان معطوفتان على الآيات الأربع التي قبلها لبيان المقابلة بين المؤمنين والمنافقين وما بينهما من التضاد في الأقوال والأفعال التي يقتضيها الإيمان - الذي يدعيه المنافقون كذبا وتقية - والجزاء عليه وعليها. قال عز وجل: { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ }؟؟ تقدم بيان معنى الولاية بمعناها العام في تفسير قوله تعالى:ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 257]؟ وفي مواضع أخرى من أجزاء التفسير، وولاية النصرة الحربية وما يتعلق بها في مواضع أهمها في شأن المسلمين وأهل الكتاب تفسير قوله تعالىيَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [المائدة: 51] وفي ولاية المؤمنين بعضهم لبعض والكفار بعضهم لبعض تفسير قوله تعالى [الأنفال: 72-73].

ولاية المؤمنين والمؤمنات بعضهم لبعض في هذه الآية تعم ولاية النصرة، وولاية الأخوة والمودة، ولكن نصرة النساء تكون فيما دون القتال بالفعل، فللنصرة أعمال كثيرة، مالية وبدنية وأدبية، وكان نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء أصحابه يخرجن مع الجيش يسقين الماء ويجهزون الطعام، ويضمدن جراح الجرحى، وفي الصحيح إن فاطمة عليها السلام كانت هي وأم سليم وغيرهما ينقزن قرب الماء في غزوة أحد ويسرعن بها إلى المقاتلة والجرحى يسقينهم ويغسلن جراحهم. وكان النساء يحرضن على القتال، ويرددن المنهزم من الرجال، قال حسان:
تظل جيادنا متمطرات   يلطمهن بالخُمُر النساء
وفي سيرة الخنساء رضي الله عنها أنها كانت تحرض أبناءها على القتال بشعرها كلما قتل واحد حتى إذا ما قتل الثالث قالت: الحمد لله الذي أكرمني بشهادتهم. هذا شأن الخنساء في الإسلام وكانت من أرق النساء قلبا، وأكمدهن حزنا، ورثاؤها لأخويها ملأ أندية الأدب شجوا وشجنا. ونكتة الفرق بين المؤمنين والمنافقين في الوصف المتقابل هنا أن المنافقين لا ولاية بينهم بأخوة تبلغ فضيلة الإيثار، ولا تناصر يبلغ الإقدام على القتال، لأن النفاق شكوك وذبذبة من لوازمهما الجبن والبخل، وهما الخلقان المانعان من التناصر ببذل النفس والمال، بل قصاراه التعاون بالكلام وما لا يشق من الأعمال. وإنما تكون ولاية التناصر بالقتال لأصحاب العقائد الثابتة، والملة الراسخة، سواء كانت حقا أو باطلة، ولذلك أثبتها القرآن لليهود والنصارى بعض كل منهما لبعض وللكفار على الإطلاق، ولم يثبتها للمنافقين الخلص بعضهم مع بعض، بل كذب منافقي المدينة في وعدهم لليهود وحلفائهم بنصرهم على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إذا قاتلوهم في قوله:أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6