الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } * { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } * { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ وَأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

هذا بيان عام لحال جميع المنافقين ذكرانهم وإناثهم، مقرون بالوعيد الشديد على ما أعد لهم من الجزاء مع إخوانهم الكفار على فسادهم وإفسادهم، يتلوه ضرب المثل لهم بحال أمثالهم في الأمم قبلهم. فاتصالها بما قبلها من بيان شؤون المنافقين المتعلقة بغزوة تبوك هو من قبيل التناسب بين القواعد العلمية في الأخلاق، والسنن العامة في روابط الاجتماع، وبين الوقائع الخاصة التي تعد من الشواهد على هذه القواعد والسنن.

قال عز وجل: { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } أي أهل النفاق من الرجال والنساء متشابهون فيه وصفاً وعملا كأن كلا منهم عين الآخر كما قيل:
تلك العصا من هذه العُصَّيَة   هل تلد الحية إلا حيه
وكما قال تعالى في آل إبراهيم وآل عمرانذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } [آل عمران: 34]؟ وفي استجابته لدعاء الذاكرين المتفكرينلاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } [آل عمران: 195] ثم بين هذا التشابه بقوله: { يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } المنكر الشرعي ما ينكره الشرع ويستقبحه، والمنكر العقلي والفطري ما تستنكره العقول الراجحة والفطر السليمة، لمنافاته للفضائل والمنافع الفردية والمصالح العامة، والشرع هو القسطاس المستقيم في ذلك كله، والمعروف ما يقابل المنكر مقابلة التضاد، ومن المنكر الذي يأمر به بعضهم بعضا الكذب والخيانة وإخلاف الوعود والفجور والغدر بنقض العهود، قال صلى الله عليه وسلم: " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان " رواه الشيخان والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة وفي حديث آخر: " أربع من كن فيه كان منافقا خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن الثلاثة من حديث عبد الله بن عمرو.

ومن المعروف الذي ينهون عنه الجهاد وبذل المال في سبيل الله للقتال وغير القتال كقولهم الذي ذكر في سورتهمهُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ } [المنافقون: 7]؟؟.

وقبض الأيدي ضم أصابعها إلى باطن الكف وهو كناية عن الامتناع من البذل، كما أن بسط اليد كناية عن الإنفاق والبذل، فهم ينهون الناس عن البذل ويمتنعون منه بالفعل، واقتصر من منكراتهم الفعلية على هذا لأنه شرها وأضرها، وأقواها دلالة على النفاق، كما أن الإنفاق في سبيل الله أقوى الآيات على الإيمان، والآيات في هذا الإنفاق كثيرة جداً تقدم كثير منها في سورتي البقرة والأنفال وهذه السورة.

{ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } أي نسوا الله أن يتقربوا إليه بالإنفاق في سبيله وغير ذلك من فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، يعني أنهم لرسوخهم في الكفر لم يعد يخطر ببالهم إن له تعالى عليهم حق الطاعة والشكر، فهم لا يذكرونه بشيء من أعمالهم، وإنما يتبعون فيها أهواءهم من الرياء ووسوسة الشيطان، وقد حذرهم ربهم طاعة الشيطان ولا سيما في البخل فقال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6