الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

هذا ضرب آخر من دلائل نفاق أولئك المنافقين وآثاره وهو إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالطعن في أخلاقه العظيمة، وشمائله الكريمة، كإيذاء أولئك الذين لمزوه في بعض أفعاله العادلة، وهي قسمة الصدقات، وناهيك بكفر من يصغرون ما عظمه رب العالمين بقوله لرسوله:وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 4].

أخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان نبتل بن الحارث يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجلس إليه فيسمع منه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين وهو الذي قال لهم إنما محمد أذن، من حدثه شيئا صدقه، فأنزل الله فيه { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } ولكن منطوق الآية يسند هذا القول إلى جماعة منهم وهو أقرب وإن كان الإسناد إلى الجماعة يصدق بقول واحد وإقرار الباقين. والأول مروي عن السدي عند ابن أبي حاتم قال: اجتمع ناس من المنافقين فيهم جلاس بن سويد بن صامت ومخشي بن حمير ووديعة بن ثابت فأرادوا أن يقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم فنهى بعضهم بعضاً وقالوا نخاف أن يبلغ محمداً فيقع بكم، وقال بعضهم إنما محمد أذن نحلف له فيصدقنا، فنزل (ومنهم) وذكر الآية.

الأذى ما يؤلم الحي المدرك في بدنه أو في نفسه ولو ألماً خفيفا، يقال: أذي الإنسان (كرضي) بكذا أذى، وتأذى تأذيا، إذا أصابه مكروه يسير - كذا قالوا - وآذى غيره إيذاء، وأنكر الفيروزابادي لفظ الإيذاء وإن كان هو القياس لأنه لم يسمع من العرب إلا الأذى والأذاة والأذية، وربما يشهد له قوله تعالى:لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } [آل عمران: 111] من سورة آل عمران لأنه من آذى المتعدي بنفسه لا من أذي اللازم إلا أن يقال أنه اسم مصدر، وتقييدهم للأذى بالمكروه اليسير غير مسلم على إطلاقه، فالظاهر أنه يطلق على اليسير والخفيف وعلى الشديد، وقوله تعالى:لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } [آل عمران: 111] من الأول لأنه مستثنى من الضرر، ومثله ما ورد في الأذى من المطر وأذى الرأس من القمل، ومن الثاني قوله تعالى في سورة الأحزابإِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً * وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } [الأحزاب: 57-58] فقد ورد في المأثور تفسير الذين يؤذون الله بالذين نسبوا إليه الابن والبنات، والذين يؤذون رسوله بالذين شجوا رأسه يوم أحد، وبالذين كانوا يكذبون برسالته ويقولون ساحر وشاعر وكاهن، والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بالطاعنين في الأعراض وبالزناة الذين يتبعون النساء لمراودتهن. وناهيك بالوعيد الشديد للجميع.

وأما قولهم: { أُذُنٌ } فهو من تسمية الشخص باسم الجارحة للمبالغة في وصفه بوظيفتها وهو كثرة السمع لما يقال وتصديقه كأنه كله أذن سامعة، كقولهم للجاسوس عين، ويطلق على لازمه وهو عدم الدقة في التمييز بين ما يسمع، وتصديق ما يعقل وما لا يعقل، فيراد به الذم بالغرارة وسرعة الانخداع.

السابقالتالي
2 3 4 5 6