الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

لما كان طمع البشر في المال لا حد له، وقد يكون الغني أشد طمعا فيه من الفقير، وكان ضعيف الإيمان لا يرضيه قسمة الرسول المعصوم له إذا لم يعطه ما يرضي طمعه، وكان غير المعصوم من أولياء الأمور ومن الأغنياء عرضة لاتباع الهوى في قسمة الصدقات، بين الله تعالى مصارفها بنص كتابه فقال:

{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ } هذه الآية ناطقة بوجوب قصر الصدقات الواجبة وهي زكاة النقود عينا أو تجارة والأنعام والزرع والركاز والمعدن على الأصناف السبعة والثمانية المنصوصة فيها دون غيرهم، وهي حجة على من لمز النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين بعدم إعطائهم منها - وهم ليسوا منهم - وقاطعة لأطماع أمثالهم. واللام في قوله { لِلْفُقَرَآءِ } للملك وللاستحقاق أو بتقدير مفروضة كما يدل عليه قوله في آخر الآية { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } وسيأتي حكم سائر المعطوفات.

وجمهور الفقهاء على أن الفقراء والمساكين صنفان مستقلان وقد اختلفوا في تعريف كل منهما بما ذهب به بعضهم إلى أن الفقير أسوأ حالا وأشد حاجة من المسكين وبعضهم إلى العكس، وجعلوا ذلك من تقاليد المذاهب التي يتعصب لها بعضهم على بعض. ويرى بعض العلماء لمستقلين أنهما قسمان لصنف واحد يختلفان بالوصف لا بالجنس، وهو المختار لنا، ولم يجمع الذكر الحكيم بينهما إلا في هذه الآية ويكفي من دلالة العطف فيها على المغايرة ما اخترناه في تغايرهما في الوصف.

فالفقير في اللغة خلاف الغني ومقابله مقابلة التضاد كما يدل عليه قوله تعالى:إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } [النساء: 135] وقوله:وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } [النساء: 6] وقوله:إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [النور: 32] والغني المطلق هو الله تعالى وكل عباده فقير إليه كما قال:وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ } [محمد: 38] وأما فقر الناس بعضهم إلى بعض فهو أمر نسبي، فما من غني إلا وهو مفتقر إلى غيره ممن فوقه وممن دونه أيضا، ولكن ذكر الفقير في مقابلة الغني أو إطلاق ذكره يدل على المحتاج في معيشته إلى مواساة غيره لعدم وجود ما يكفيه به بحسب حاله، ويطلق الفقير في اللغة على الكسير الفقار ومن يشتكي فقاره - وهي جمع فقرة وفقارة (بفتحهما) عظام الظهر المنضودة من لدن الكاهل إلى عجب الذنب في الصلب - وهذا هو المعنى الأصلي والمعنى الأول مأخوذ منه كما قيل. ومنه الفاقرة وهي الداهية أو المصيبة التي تكسر فقار الظهر.

وأما المسكين فمأخوذ من مادة السكون المراد به قلة الحركة والاضطراب الحسي من الضعف والعجز، أو النفسي من القناعة والصبر، وإنما يطلق على الفقير إذا كان الفقر سبب سكونه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد