الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ }

هذا شروع في بيان ما يترتب على الأذان بنبذ عهود المشركين على الوجه الذي سبق تفصيله في الموقت منها وغير الموقت، وهو مفصل لكل حال يكونون عليها بعد هذا الأذان العام من إيمان وكفر، ووفاء وغدر، ينتهي بالآية الخامسة عشرة. وانسلاخ الأشهر انقضاؤها والخروج منها وهو مجاز مستعار من انسلاخ الحية وهو خروجها من جلدها ويسمى بعد خروجها منه انسلاخ، يقولون سلخ فلان الشهر وانسلخ منهوَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } [يس: 37]. وقال الشاعر:
إذا ما سلخت الشهر أهلكت مثله   كفى قاتلا سلخي الشهور وإهلالي
والحرم بضمتين جمع الحرام (كسحاب وسحب) وهي الأشهر التي حرم الله فيها قتالهم في الأذان والتبليغ الذي بينت الآية ما يترتب عليه من الأحكام بقوله: { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } أي آمنين لا يعرض لكم أحد بقتال فيها فالتعريف فيها للعهد، ولولا هذا السياق لوجب تفسير الأشهر الحرم بالأربعة التي كانوا يحرمون فيها القتال من قبل إذا لم يستحلوا شيئاً منها بالنسيء، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب كما سيأتي بيانه في تفسير الآيتين 36 و37 على أن بعض المفسرين قال إنها هي المرادة هنا أو الثلاثة المتوالية منها وتقدم أن بعضهم قال إن الأربعة الأشهر التي ضربت لهم لحرية السياحة في الأرض هي من شوال إلى المحرم.

والتحقيق ما قلناه هنا وهناك وقد رواه ابن جرير عن السدي ومجاهد وعمرو بن شعيب وابن زيد وابن إسحاق ولكنه اعتمد قبله أن المراد بها ذو القعدة وذو الحجة والمحرم.

قال تعالى { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } أي فإذا انقضت الأشهر الأربعة التي حرم عليكم قتال المشركين فيها فاقتلوهم في أي مكان وجدتموهم فيه من حل وحرم لأن الحالة بينكم وبينهم عادت حالة حرب كما كانت وإنما كان تأمينهم مدة أربعة أشهر منحة منكم، ومن قال إن الآية مخصوصة بما عدا أرض الحرم فهو غالط.

{ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } أي وافعلوا بهم كل ما ترونه موافقاً للمصلحة من تدابير القتال وشؤون الحرب المعهودة، وأهمها وأشهرها هذه الثلاثة وأولها أخذهم أسارى فكانوا يعبرون عن الأسر بالأخذ ويسمون الأسير (أخيذا) والأخذ أعم من الأسر فإن معنى الثاني الشد بالأسار كما تقدم في سورة الأنفال، فالأسير في أصل اللغة هو الأخيذ الذي يشد. وقد أبيح هنا الأسر الذي حظر بقوله تعالى في سورة الأنفالمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } [الأنفال: 67] لحصول شرطه وهو الإثخان الذي هو عبارة عن الغلب والقوة والسيادة فمن يسمي مثل هذا نسخاً فله أن يقول به هنا، والصواب أنه من المقيد بالشرط أو الوقت أو الأذن.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد