كان المنافقون يرتقبون الفرص للصد عن الإسلام بالطعن على النبي صلى الله عليه وسلم بالشبه التي يظنون أنها توقع الريب في قلوب ضعفاء الإيمان من الجانب الذي يوافق أهواءهم، وقد كان منها قسمة الصدقات والغنائم. روى البخاري والنسائي ومصنفوا التفسير المأثور عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم قسما إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي فقال اعدل يا رسول الله، فقال: " ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ " فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " الحديث بطوله قال (أبو سعيد) فنزلت فيهم { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } الآية. وروى ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين سمعت رجلا يقول إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله! فأتيت النبي فذكرت له ذلك فقال: " رحمة الله على موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر " ونزل { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } ". وروى سنيد وابن جرير عن داود بن أبي عاصم قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة فقسمها هاهنا وهاهنا حتى ذهبت ورآه رجل من الأنصار فقال ما هذا بالعدل، فنزلت هذه الآية. وهنالك روايات أخرى يدل مجموعها على أن هذا القول قاله أفراد من المنافقين، وكان سببه حرمانهم من العطية كما هو مصرح به في الآية، وكانوا من منافقي الأنصار، بل كان جميع المنافقين قبل فتح مكة من أهل المدينة وما حولها ولم يكن أحد منهم من المهاجرين لأن جميع هؤلاء السابقين الأولين أسلموا في وقت ضعف الإسلام واحتملوا الإيذاء الشديد في سبيل إسلامهم، ولا من الأنصار الأولين كالذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في منى وقد تقدم في الكلام على غزوة حنين من هذا الجزء سبب حرمان النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار من غنائم هوازن ومن استاء منهم ومن تكلم وإرضاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم ولكن الآية نص في قسمة الصدقات فجعل الغنائم سببا لنزولها من جملة تساهلهم فيما يسمونه أسباب النزول قال تعالى: { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } اللمز مصدر لمزه إذا عابه وطعن عليه مطلقا أو في وجهه، وأما همزه همزاً فمعناه عابه في غيبته، وأصله العض والضغط على الشيء. والمعنى ومن هؤلاء المنافقين من يعيبك ويطعن عليك في قسمة الصدقات وهي أموال الزكاة المفروضة يزعمون أنك تحابي فيها { فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ } وإن لم يكن عطاؤهم باستحقاق كأن أظهروا الفقر كذبا واحتيالا أو كان لتأليف قلوبهم { وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } أي وإن لم يعطوا منها فاجأهم السخط أو فاجؤك به وإن لم يكونوا مستحقين للعطاء، لأنه لاهم لهم ولا حظ من الإسلام، إلا المنفعة الدنيوية كنيل الحطام.