الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } * { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ }

هذه الآيات الثلاث في مسألة النفقة في القتال، وهي الجهاد المفروض في المال، ومثلها سائر النفقات، في حكم ما يعتورها من الرياء والإخلاص. روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا الجد بن قيس إلى جهاد الروم قال: إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى افتتن ولكن أعينك بمالي، ففيه نزل { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ } وقد ضعف (الطبري) هذا القول بالتعبير عنه بقيل، والحق إن الآية عامة تشمل هذا وغيره، وأنها نزلت مع غيرها من هذا السياق في أثناء السفر لا عقب قول جد بن قيس ما قال قبله. والمعنى: قل أيها الرسول لهؤلاء المنافقين: أنفقوا ما شئتم من أموالكم في الجهاد أو غيره مما أمر الله به في حال الطوع للتقية، أو الكره خوف العقوبة، فمهما تنفقوا في الحالتين لن يتقبل الله منكم شيئاً منه، ما دمتم على شك مما جاءكم به الرسول من أمر الدين والجزاء على الأعمال في الآخرة. وقيل معناه إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل منهم ما ينفقونه، ولكن هذا لا يصح على إطلاقه في جميعهم، لأن مقتضى إجراء أحكام الشريعة عليهم تقتضي وجوب أخذ زكاتهم ونفقاتهم، إلا أن يوجد مانع خاص في شأن بعضهم، كما سيأتي في تفسيروَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ } [التوبة: 75] الآيات.

قال الإمام ابن جرير وتبعه غيره: وخرج قوله: { أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } مخرج الأمر ومعناه الخبر. والعرب تفعل ذلك في الأماكن التي يحسن فيها: " إن " التي تأتي بمعنى الجزاء كما قال جل ثناؤهٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } [التوبة: 80] فهو في لفظ الأمر ومعناه الخبر ومنه قول الشاعر:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة   لدينا ولا مقلية إن تقلَّت
فكذلك قوله: { أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } إنما معناه: إن تنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبل منكم اهـ { إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } هذا تعليل لعدم قبول نفقاتهم ومعناه إن إنفاقكم طائعين أو مكرهين سيان في عدم القبول لأنكم كنتم قوما فاسقين. وإِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [المائدة: 27] والمراد بالفسوق الخروج من دائرة الإيمان، الذي هو شرط لقبول الأعمال مع الإخلاص، وهو كثير الاستعمال في القرآن، - وتخصيصه بالمعاصي من اصطلاح الفقهاء. فليعتبر بهذا منافقوا هذا الزمان، الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس، ويعلنون أمرها في صحف الأخبار، ليشتهروا بها في الأقطار، ثم بين تعالى ما في هذا التعليل من الإجمال فقال:

{ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ } أي وما منعهم قبول نفقاتهم شيء من الأشياء إلا كفرهم بالله وصفاته على الوجه الحق، ومنها الحكمة والتنزه عن العبث في خلق الخلق وهدايتهم وجزائهم على أعمالهم، وكفرهم برسالة رسوله وما جاء به من البينات والهدى.

السابقالتالي
2 3