الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } * { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ }

ذكر البغوي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف المنافقين حتى نزلت سورة براءة، والظاهر أن مراده لم يكن يعرفهم كلهم ويعرف شؤونهم بمثل ما في هذه السورة من التفصيل كما قال الله له في الذين مردوا على النفاقلاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } [التوبة: 101] وستأتي في هذا السياق. إذ من المعلوم أن ذكر المنافقين وبعض صفاتهم وأقوالهم وأفعالهم جاءت في عدة سور نزلت قبل سورة براءة منها سور المنافقين والأحزاب والنساء والأنفال والقتال والحشر، وأما سورة براءة فهي الفاضحة لهم والكاشفة لجميع أنواع نفاقهم الظاهرة والباطنة وهذه الآيات أول السياق في هذا البيان للتفرقة بينهم وبين المؤمنين في أمر القتال، ولعله صلى الله عليه وسلم لم يعلم ذلك إلا بعد نزولها.

قال عز وجل: { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } هذا نفي للشأن يراد به بيان الواقع في نفسه فلا يلاحظ في الفعل فيه الزمان الحاضر أو المستقبل الذي وضع له المضارع بل يشملهما كما يشمل الماضي، كما تقول: الصائم لا يغتاب الناس، والذي يزكي لا يسرق، أي هذا شأن كل منهما، فالمعنى أنه ليس من شأن المؤمنين بالله الذي كتب عليهم القتال، واليوم الآخر الذي يكون فيه الأجر الأكمل على الأعمال، ولا من عادتهم أن يستأذنوك أيها الرسول في أمر الجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم إذا عرض المقتضي له، لأن هذا من لوازم الإيمان التي لا تتوقف على الاستئذانإِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } [الحجرات: 15] وإذا لم يكن من شأنهم إن يستأذنوا في الجهاد بل يقدمون عليه عند وجوبه من غير استئذان لما تقدم آنفا، بل هم يستعدون له في وقت السلم بإعداد القوة ورباط الخيل من استطاع ذلك منهم، فهل يكون من شأنهم أن يستأذنوك في التخلف عنه، بعد إعلان النفير العام له؟ كلا إن أقصى ما قد يقع من بعضهم التثاقل والبطء في مثل هذا السفر البعيد.

ويحتمل أن يكون المعنى: لا يستأذنك هؤلاء المؤمنون في القعود والتخلف كراهة إن يجاهدوا في سبيل الله فإن الجهاد لا يكرهه المؤمن الصادق الذي يرجو الله والدار الآخرة، ويعلم إن عاقبة الجهاد الفوز بإحدى الحسنيين: الغنيمة والنصر، أو الشهادة والأجر، وإنما قد يستأذن صاحب العذر الصحيح منهم وهم الذين قبل الله عذرهم وأسقط الحرج عنهم في الآيتين (91 و92) روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا: " من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه "

السابقالتالي
2 3 4