الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }

كان كل ما تقدم من أول السورة في أحكام قتال المشركين ولما يتعلق بهم، وهذه الآية في حكم قتال أهل الكتاب والغاية التي ينتهي إليها، وهي تمهيد للكلام في غزوة تبوك مع الروم من أهل الكتاب بالشام والخروج إليها في زمن العسرة والقيظ، وما يتعلق بها من فضيحة المنافقين، وهتك الأستار عن إسرارهم للكفر، ومن تمحيص المؤمنين، ولم يقاتل النبي صلى الله عليه وسلم فيها الروم الذين خرج لقتالهم بسببه الذي سيذكر بعد، وإنما حكمة وقوع ذلك بيان هذه الأحكام، والتزييل بين المؤمنين والمنافقين ممن كانت تقع عليهم أحكام الإسلام، قبل وفاته عليه أفضل الصلاة والسلام.

روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن زيد رضي الله عنه في هذه الآية: قال لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال من يليه من العرب أمره (تعالى) بجهاد أهل الكتاب.

وروى ابن المنذر عن ابن شهاب قال: أنزلت في كفار قريش والعربوَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله } [الأنفال: 39] وأنزلت في أهل الكتاب { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } - إلى قوله - { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ } فكان أول من أعطى الجزية أهل نجران، قبل وفاته عليه أفضل الصلاة والسلام.

وروى ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ بن حبان والبيهقي في سننه عن مجاهد قال نزلت هذه الآية حين أمر محمد صلى الله عليه وسلم بغزوة تبوك. وروى ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن مجاهد أيضاً قال: يقاتل أهل الأوثان على الإسلام، ويقاتل أهل الكتاب على الجزية.

وروى ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن الحسن قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذه الجزيرة من العرب على الإسلام لم يقبل منهم غيره وكان أفضل الجهاد، وكان بعده جهاد آخر على هذه الآية في شأن أهل الكتاب { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } الآية (أقول): وهذا أصح وأدق مما قبله من رأي مجاهد ومن وافقه من الفقهاء في قتال الوثنيين وأنه لا فرق بينهم وبين مشركي العرب في الحجاز والجزيرة فقد بينا مراراً أن سياسة الإسلام في عرب الجزيرة خاصة بهم وبها.

وأعلم أن هذه الآية في قتال أهل الكتاب وما قبلها في قتال مشركي العرب ليس أول ما نزل في التشريع الحربي وإنما هو في غايته. وأما أول ما نزل في ذلك فقد بينا مراراً أنه آيات سورة الحجأُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } [الحج: 39] إلخ ثم قوله تعالى من سورة البقرةوَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } [البقرة: 190] الآيات وفي تفسيرها ما اختاره شيخنا من أن القتال الواجب في الإسلام إنما شرع للدفاع عن الحق وأهله وحماية الدعوة ونشرها ولذلك اشترط فيه أن يقدم عليه الدعوة إلى الإسلام، وقال إن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم كانت كلها دفاعا وكذلك حروب الصحابة في الصدر الأول، ثم كان القتال بعد ذلك من ضرورة الملك، وكان في الإسلام مثال الرحمة والعدل (راجع ج 2 تفسير) وسنفصل ذلك بعد تفسير هذه الآية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد