الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

تقدم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر رضي الله عنه إذ أمَّره على الحج سنة تسع إن يبلغ الناس أنه لا يحج بعد ذلك العام مشرك، ثم أمر علياً رضي الله عنه أن يتبع أبا بكر فيقرأ على الناس أوائل سورة براءة يوم الحج الأكبر، وأن ينادي بأن لا يحج بعد ذلك العام مشرك. وقد كانت هذه الآية من الآيات الأربعين التي أمر علي كرم الله وجهه بالنداء بها وهي أبلغ من منع المشركين من الحج كما سيأتي.

ولفظ (نجس) فيها بالتحريك مصدر نجس الشيء (من باب تعب) فهو نجس بكسر الجيم - إذا كان قذراً غير نظيف والاسم النجاسة. والوصف بالمصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع من كل منهما، ويراد به المبالغة في الوصف بجعل الموصوف كأنه عين الصفة. وإذا وصف الإنسان بأنه نجس أريد به أنه شرير خبيث النفس، وإن كان طاهر البدن والثوب في الحس. وإذا وصف به الداء أو صاحبه أريد به أنه عضال لا يبرأ، ولم يذكر هذا اللفظ ولا كلمة من هذه المادة في غير هذه الآية من التنزيل، وهو يستعمل في اللغة بمعنى القذر والخبيث حساً أو معنى كالرجس الذي تكرر ذكره فيه كما تقدم في تفسير آية تحريم الخمر من سورة المائدة (ج 7 تفسير).

وفي لسان العرب: النجس والنجس (بالفتح والكسر) والنجس بالتحريك القذر من الناس ومن كل شيء قذرته، ثم قال وداء نجس وناجس ونجيس عقام لا يبرأ منه. وقد يوصف به صاحب الداء. والنجس اتخاذ عوذة للصبي وقد نجسَّ له ونجسَّه عوذه (قال) الجوهري والتنجيس شيء كانت العرب تفعله كالعوذة تدفع بها العين (وقال) الليث المنجس الذي يعلق عليه عظام أو خرق. ويقال للمعوذ منجّس وكان أهل الجاهلية يعلقون على الصبي ومن يخاف عليه عيون الجن الأقذار من خرق المحيض ويقولون الجن لا تقربها أهـ ملخصاً بحروفه وفيه إن المراد من التنجس رفع النجس يعني ضرر الجن كالتحرج والتأثم والتحنث وهو الفعل الذي يخرج به فاعله من الحرج والإثم والحنث.

وقال الراغب: النجاسة القذارة وذلك ضربان ضرب يدرك بالحاسة وضرب يدرك بالبصيرة. والثاني وصف الله به المشركين فقال: { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } ويقال نجسه إذا جعله نجساً، ونجسه أيضاً أزال نجسه. ومنه تنجيس العرب وهو شيء كانوا يفعلونه من تعليق عوذة على الصبي ليدفعوا عنه نجاسة الشيطان. والناجس والنجيس داء خبيث لا دواء له اهـ.

أقول: لا تزال سلائل العرب في البدو والحضر يقولون فلان نجس بمعنى خبيث ضار مؤذ. كما إن الجاهلين منهم بالإسلام لا يزالون يعلقون التناجيس والتعاويذ على الأولاد لوقايتهم من الجن والعين الخبيثة من الإنس.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7