الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } * { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

هذه الآيات تذكير للمؤمنين بنصر الله لهم على أعدائهم في مواطن القتال الكثيرة معهم إذ كان عددهم وعتادهم قليلا لا يرجى معه النصر بحسب الأسباب والعادة، وابتلائه إياهم بالتولي والهزيمة يوم حنين على عجبهم بكثرتهم ورضاهم عنها، ونصرهم من بعد ذلك بعناية خاصة من لدنه - ليتذكروا إن عنايته تعالى وتأييده لرسوله وللمؤمنين بالقوى المعنوية، أعظم شأنا وأدنى إلى النصر من القوة المادية، كالكثرة العددية وما يتعلق بها، وجعل هذا التذكير تاليا للنهي عن ولاية آبائهم وأخوانهم من الكفار، وللوعيد على إيثار حب القرابة والزوجية والعشيرة (ولو كانوا مؤمنين) والمال والسكن على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله، تفنيداً لوسوسة شياطين الجن والإنس - من المنافقين ومرضى القلوب - لهم وإغرائهم باستنكار عود حالة الحرب مع المشركين وتنفيرهم من قتالهم لكثرتهم، ولقرابة بعضهم، ولكساد التجارة التي تكون معهم، وذلك بعد إقامة الدلائل على كون ذلك من الحق والعدل والمصلحة العامة في الدين والدنيا، وفي هذه الغزوة من العبر والحكم والأحكام ما ليس في غيرها وسنبين المهم منه في إثر تفسير الآيات قال عز وجل:

{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } الظاهر إن هذا الخطاب مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم إن يقوله لجماعة المسلمين بالتبع لما قبله وفيهم بقية من المنافقين وضعفاء الإيمان، ولم يعطف عليه لأنه بيان مستأنف لإقامة الحجة على صحة ما قبله من نهي ووعيد، وإن الخير والمصلحة للمؤمنين في ترك ولاية أولي القربى من الكافرين، وفي إيثار حب الله ورسوله والجهاد في سبيله على حب أولي القربى والعشيرة والمال والسكن مما يحب للقوة والعصبية وللتمتع بلذات الدنيا، فإن نصر الله تعالى لهم في تلك المواطن الكثيرة لم يكن بقوة عصبية أحد منهم، ولا بقوة المال، وما يأتي به من الزاد والعتاد، وقد ترتب عليه من القوة والعزة والثروة ما لم يكن لهم مثله من قبل، ثم ترتب عليه من السيادة والملك بطاعة الله ورسوله ما هو أعظم من ذلك فيما بعد، ثم يكون له من الجزاء في الآخرة ما هو أعظم وأدوم، وإنما ذلك من فضل الله عليهم بهذا الرسول الذي جاءهم بهذا الدين القويم.

والمواطن جمع موطن وهي مشاهد الحرب ومواقعها، والأصل فيه مقر الإنسان ومحل إقامته كالوطن، ووصفها بالكثيرة لأنها تشمل غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر سراياه التي أرسل فيها بعض أصحابه ولم يخرج معهم. ولا يطلق اسم الغزوة - ومثلها الغزاة والمغزى - إلا على ما تولاه صلى الله عليه وسلم بنفسه من قصد الكفار إلى حيث كانوا من بلادهم أو غيرها.

روى البخاري ومسلم في كتاب المغازي من صحيحيهما عن أبي إسحاق السبيعي أنه سأل زيد بن أرقم: كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة؟ قال تسع عشرة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد