الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } * { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

هذه الآيات تكملة لموضوع الآيتين اللتين قبلها في بيان كون الحق في عمارة المسجد الحرام بنوعيها للمسلمين دون المشركين وكون إيمانهم وإسلامهم أفضل مما كان يفخر به المشركون من عمارته وسقاية الحاج فيه وأن قام بهما المسلمون أنفسهم خلافا لما توهم بعضهم في الأعمال التي بعد الإسلام.

فقد روي مسلم وأبو داود وابن حبان وبعض رواة تفسير المأثور من حديث النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم: ما أبالي أن لا أعمل لله عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر بل عمارة المسجد الحرام، وقال آخر بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم. فزجرهم عمر وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة - ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتينه فيما اختلفتم فيه. [فدخل بعد الصلاة فاستفتاه] فأنزل الله { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ } - إلى قوله - { لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }.

وروى الفريابي عن ابن سيرين قال قدم علي بن أبي طالب مكة فقال للعباس: أي عم ألا تهاجر؟ ألا تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أعمر المسجد وأحجب البيت، فأنزل الله { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ } الآية. وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قال العباس حين أسر يوم بدر: إن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج ونفك العاني (أي الأسير) فأنزل الله { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ }.

وروى أبو جعفر بن جرير عن كعب القرظي قال افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب - فقال طلحة: أنا صاحب البيت معي مفتاحه ولو أشاء بت فيه، وقال العباس أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بت في المسجد، فقال علي رضي الله عنه ما أدري ما تقولان؟ لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد. فأنزل الله { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ } الآية كلها. فهذه الروايات في أسباب النزول وقائع في تفسير الآيات وإن لم تكن أسبابا.

والمعتمد من هذه الروايات حديث النعمان لصحة سنده وموافقة متنه لما دلت عليه الآيات من كون موضوعها في المفاضلة أو المساواة بين خدمة البيت وحجاجه - من أعمال البر البدنية الهينة المستلذة - وبين الإيمان والجهاد بالمال والنفس والهجرة وهي أشق العبادات النفسية البدنية المالية، والآيات تتضمن الرد عليها كلها. وفي أثر علي إن العباس ذكر حجابة البيت وهي لم تكن له دون السقاية التي كانت له، وأثر ابن عباس فيه تقدم معناه في تفسير الآيتين السابقتين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6